خالد بن حمد المالك
ظلت سياسة المملكة تعتمد في فترات زمنية غير قليلة على التهدئة والمجاملات وتأخير الحلول، وتجنب التصادم اعتماداً على الحكمة والتأني، واستخدام السرية، سواء في الداخل أو مع الخارج، فلم يقدّر الآخرون لقيادتها هذا النهج المتسامح، وفُسِّر أحياناً على أنه لن يفضي لأكثر من تسجيل موقف من قيادة المملكة لا يترتب عليه أي موقف صارم وجاد.
* *
جاء محمد بن سلمان فغيَّر المعادلة، وعدّل اتجاه البوصلة، وأعاد النظر في هذه السياسة التي لم تثمر عن نتائج، فأخذ بخط جديد في التعامل مع القضايا المعلقة في الداخل ومع الخارج، حماية لحق الوطن ومصالح المواطنين، دون أن يرتهن لتجارب الماضي، أو يستسلم لما كان يردده البعض من أن المصلحة تقتضي أن يكون التعامل معتمداً على الهدوء والحوار الودِّي الذي عُرِفَت به المملكة.
* *
فعلى المستوى الداخلي فجّر قضية الفساد المستشري، وحصل من الملك على أمر بالقبض على عدد من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال بتهمة الفساد، وقال إن الملك قال له لا يمكن أن تبقى المملكة ضمن مجموعة العشرين وهي على هذا المستوى من الفساد، مضيفاً أن 10 في المائة من الإنفاق الحكومي كان يتعرض للاختلاس منذ الثمانينيات وحتى الآن بواسطة الفساد، وأن الحكومة شنَّت من قبل أكثر من حرب على الفساد ولكنها فشلت، بسبب أن الحملات كانت تبدأ عند الطبقة الكادحة صعوداً إلى غيرها من الطبقات المرموقة، وكان المفروض أن يكون العكس.
* *
حديث ولي العهد مع الكاتب الأمريكي الشهير «فريدمان» لم يكن مقتصراً على ذلك حين كان يتحدث عن الفساد، فقد قال أيضاً: ليس هناك من طريقة يمكن من خلالها القضاء على الفساد ما لم نرسل إشارة، والإشارة التي سوف يأخذها الجميع بجدية أنك «لن تنجو بفعلتك»، وهكذا يمكن أن نعتبر من الآن أن قضية الفساد أصبحت من الماضي، إذ لن ينجو أي فاسد من فعلته بحسب ما فهمناه من آراء أطلقها الأمير وأصر عليها.
* *
العناوين الأخرى المهمة في الحديث المهم للأمير محمد بن سلمان كثيرة ومتنوعة، وهذا ما يفسر قوله: أنا في عجلة من أمري لأني أخشى أن أموت دون أن أحقق ما يدور في ذهني، فالحياة قصيرة جداً، وأنا حريص على مشاهدة ما أحلم بتحقيقه لبلدي بأم عيني، ولهذا السبب أنا في عجلة من أمري، وهذا ما جعل الصحفي في صحيفة «نيويورك تايمز السيد فريدمان» يقول: إذا كنت تقرأ هذه الكلمات، فأنت هنا في المملكة العربية السعودية، حيث الربيع السعودي الجديد، المستمد من الشكل الجديد للمملكة بعد الإصلاحات التي تمت، فالأمير -كما عبّر عن ذلك- يريد رؤية طموحه للمملكة يتحقق في حياته.
* *
وإلى جانب الحملة على الفساد، فهناك حملة أخرى مهمة قادها ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان، تركزت على إعادة الإسلام إلى أصوله، الأكثر انفتاحاً واعتدالاً وتسامحاً ووسطية، بعد أن تم تحريفه عام 1979م، وكان قد وصف الأمير مبادرته هذه في المؤتمر العالمي للاستثمار الذي عقد -مؤخراً- في الرياض بالقول إننا نريد في المملكة «إسلاماً معتدلاً ومتوازناً» ينفتح بدوره للعالم وللديانات الأخرى ولجميع التقاليد والشعوب، وهذا ما يجري الآن، حيث الانفتاح على الديانة المسيحية، وفتح مجالات الترفيه أمام المواطنين، والتسامح مع ما كان محظوراً على المواطنين والمواطنات دون مبرر.
* *
محمد بن سلمان واجه المتشددين أيديولوجياً على النقيض من أي زعيم سبقه -كما يقول توماس فريدمان- مضيفاً أن امرأة سعودية أخبرته بأن الأمير محمد يستخدم لغة مختلفة، إذ إنه يقول: سوف ندمر التطرف، وهذا يبعث الطمأنينة في صدري بأن التغيير حقيقي، فالأمير يعمل على إعادة الإسلام إلى أصوله، والمتطرفون استسلموا تماماً لهذه الإصلاحات.
* *
ولم يكن الهدف من الحملة على الفساد إزالة منافسي الأمير محمد من أعضاء الأسرة المالكة قبل أن يُمركز الملك سلمان مقاليد السلطة في المملكة بين يدي الأمير محمد، كما كان ذلك سؤال (فريدمان) للأمير الذي أجاب عنه بأنه لأمر مضحك أن تقول إن الحملة على الفساد لانتزاع السلطة، مع أن الأعضاء البارزين المحتجزين في الريتز -يقول الأمير- قد أعلنوا مسبقاً بيعتهم لي ودعمهم لإصلاحاتي، وأن الغالبية العظمى من أفراد الأسرة الحاكمة تقف في صفي، أي أن الأمير أراد بهذه الإجابة أن يرسل رسالة للداخل والخارج مضمونها عدم وجود أية علاقة بين محاربة الفساد وما أسماه الكاتب الأمريكي بانتزاع الأمير للسلطة. وللحديث بقية.