محمد آل الشيخ
لقاء سمو الأمير محمد بن سلمان مع الصحفي الأمريكي الشهير «توماس فريدمان» كان لقاءً متميزًا واستثنائيًا، وأظهر بأمانة ووضوح أن هذا الأمير الشاب لديه مشروع إصلاحي واعد متعدد الاتجاهات، قد يبدو أنه صعب التحقيق، لكنه ليس مستحيلاً على رائد كأميرنا الذي لا يعرف المستحيل قواميسه، إذا توفرت أمامه عوامل موضوعية، من شأنها أن تجعله حقيقة على الأرض. والأمير محمد كما ظهر بوضوح من خلال هذا اللقاء يملك من الشجاعة، والواقعية، والإصرار، والأهم من كل ذلك وضوح الرؤية والأهداف التي يسعى إلى بلوغها؛ وجميع هذه العوامل هي على ما يظهر من حديثه، محل اهتمامه، الأمر الذي يجعل كل من يقرأ اللقاء يلحظ بأنه يعرف ما يريد، وأن لديه خارطة طريق واضحة المعالم في ذهنه، لبلوغ الهدف الذي نذر نفسه لتحقيقه.
وفي حياة الأمم يظهر رواد الإصلاح العظام، في أعمار غالبا ما تكون شابة، ولديهم تميّز عن أقرانهم، وتسيطر عليهم، وعلى تفكيرهم، طموحاتهم لأن يحققوا أهداف مشروعاتهم الإصلاحية الكبرى. وهذا ما تقرأه حينما تقرأ سير حياة هؤلاء المصلحين الرواد، الذين قادوا أممهم لأن يكون لهم مكان مميز تحت الشمس. وليس لدي أدنى شك أن الأمير محمد واحد منهم، وجاء في زمن كنا في أمس الحاجة لمشروع إصلاحي متنوع، وعلى المستويات كافة، وبالذات فيما يتعلق ببعض الانحرافات غير السوية، التي اكتنفت مسيرتنا التنموية في العقود السابقة، ومنها الانحرافات الثقافية الدينية، التي جرى فيها، استغلال رخيص للدين، وتوظيف الحلال والحرام لتحقيق أهداف شخصية محضة، بعضها لغايات مالية، والبعض الآخر لغايات سياسية، وكذلك من استغلوا نفوذهم، وقربهم من بعض أصحاب القرار لتحقيق ثروات فلكية من المال الحرام، وهذا التوزيع العبثي للثروة أدى فيما أدى إليه لتوسيع الهوة بين طبقات التركيبة المجتمعية، بما كان ينذر بتفجير المجتمع يوما ما، إذا لم يتم علاجها سريعا، قبل أن يبلغ السيل الزبى، ويسبق السيف العذل. ومثل هذه الحلول والمواجهات غالبا ما تكون مؤلمة للبعض، غير أنها بمثابة الكي الذي هو آخر العلاج.
ومن أهم ما يتميز به الأمير محمد أنه رجل يواجه الأخطاء مباشرة، بجرأة وإقدام، دون أن يلف أو يدور، أو يختبئ وراء إصبعه، فهو يعرف ما يريد، وإليه يسير بعزم القادة الكبار، الذين غيروا مجرى التاريخ، وسارت أممهم بعدهم في الطريق السليم، ويحضرني من هؤلاء الأفذاذ على سبيل المثال لا الحصر، الإمبراطور ميجي في اليابان، وكذلك «بطرس الأكبر» في روسيا، ومن الجدير بالذكر هنا أن هذين الرائدين على وجه التحديد توليا زمام الأمور، وقادا أممهما، وهم شباب، وفي عمر يُقارب عمر الأمير محمد، فكانا لبلديهما رائدين تاريخيين عظيمين، حققا لدولتيهما ما وصلت إليه من أمجاد وقوة ومنعة.
هذا عن الشأن الداخلي، أما عن الشأن الخارجي فقد تحدث سموه في اللقاء عن الأخطار المحدقة بالمملكة، وأهمها على الإطلاق، الخطر الإيراني، وطموحات خامنئي، الذي لخص خطورته على المنطقة، بخطورة «هتلر» على أوروبا، الذي جنت من ممارساته وطموحاته التوسعية المجنونة، ما كلف أوروبا الملايين من القتلى والجرحى والمصابين فضلاً عن الخسائر المادية الكارثية؛ وهو وصف غاية في البلاغة والوضوح، لمن يقرأ أجندة هذا الإيراني الكهنوتي المعمم، ويستشرف الأخطار بموضوعية التي من شأنها أن تحل بالمنطقة، فيما لو ترك هذا النازي المعمم يعيث بالمنطقة وشعوب المنطقة وموروثاتها الدينية فسادًا.
وأنا على يقين تام أن الإصلاحات التي شهدتها المملكة في الآونة الأخيرة ستتأثر بها منطقتنا العربية برمتها، ولن تبقى في محيط المملكة فحسب.
وختاما أود أن أشير إلى أن هذا الصحفي الشهير «توماس فريدمان» كان في معظم مقالاته وتقاريره لاذعا إلى حد التجريح أحيانا، غير أنه ظهر في حديثه عن لقائه بالأمير محمد منبهرا، ويتحدث عنه، وعن مشروعاته، بإعجاب، وهو ما لفت نظر الكثيرين.
إلى اللقاء