نجيب الخنيزي
صحيح أن العرب اختاروا السلام كخيار إستراتيجي وحيد لهم في ظل اختلال موازين القوى لصالح إسرائيل، غير أنه في المقابل لا بد من صياغة إستراتيجية عربية واضحة لتحديد معنى السلام المنشود ومقوماته وأسسه، وهو ما تمثل في المبادرة العربية للسلام التي طرحتها المملكة وتبنتها القمة العربية في بيروت في عام 2002، التي تتضمن تنفيذ قرارات الشرعية الدولية 242 - 338 القاضية بانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة كافة في عدوان 67 وعلى أساس مقايضة الأراضي بالسلام وفقًا لصيغة مدريد 91 التي وافق العرب على المشاركة فيها، وتأكيد حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفقًا للقرار رقم 194 وضمان حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بما في ذلك حقه في إقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس.
غير أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وخصوصًا الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية التي يتزعمها نتنياهو، والمستقوية بالدعم الأمريكي اللا محدود لها لم تكن جادة في أي وقت للتوصل إلى تحقيق تسوية سلمية شاملة تتضمن تحقيق المطالب الفلسطينية والعربية العادلة، بل سعت جاهدة إلى فرض تسوية (أقرب للاستسلام الكامل) جزئية وفقًا لشروطها ومصالحها.
لذا يتعين توجيه رسالة قوية إلى إسرائيل والولايات المتحدة والأطراف الدولية المعنية كافة، بأن العرب لن يتراجعوا عن مطالبهم العادلة والمشروعة «طال الوقت أم قصر» باعتبارها تمثل الحد الأدنى لتلبية المصالح العربية والفلسطينية، غير أن خيار السلام لا يعني التفريط أو التخلي عن الخيارات الأخرى البديلة والاستعداد لها وخلق مستلزماتها في حالة استمرار إسرائيل على تعنتها ورفضها لأساس السلام العادل والشامل والمتوازن.
وفي هذا الإطار فإن من أولويات الموقف العربي تتطلب التصدي لأشكال التطبيع السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والثقافي كافة مع إسرائيل، والعمل على استمرار وتقوية نظام المقاطعة الاقتصادية باعتباره إحدى الوسائل الدفاعية إزاء محاولات الاختراق والهيمنة الإسرائيلية، في عالم تحكمه المصالح، ومن الضروري على هذا الصعيد تأكيد الموقف الموحد للبلدان العربية إزاء التهديدات والتحديات المختلفة التي تجابهها، مما يستدعي مقاومة الضغوط المختلفة التي تتعرض لها من أجل الاستجابة للشروط الإسرائيلية، وإفهام المجتمع الدولي والقوى المتنفذة في العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة بأن مصالحها الواسعة والضخمة والممتدة في المنطقة العربية ستتعرض للضرر في حالة استمرار انحيازها الكامل لإسرائيل وسياساتها العدوانية على حساب الحقوق والمصالح والمطالب العربية العادلة، والتذكير مجددًا بأن العرب سوف ينفذون تهديدهم بقطع العلاقات الدبلوماسية مع أية دولة في حالة نقل سفارتها إلى القدس المحتلة، ومن المهم الإصرار على ضرورة إرسال قوة حماية دولية إلى الأراضي الفلسطينية لتوفير الحماية والأمن للسكان المدنيين من الاعتداءات الإسرائيلية، وكذلك الحث على سرعة ترجمة نتائج لجنة التحقيق الدولية في الانتهاكات وجرائم الحرب التي ارتكبت في الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل إسرائيل بحق المدنيين، والبحث في إمكانية قيام محكمة دولية خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب من الإسرائيليين.
ومن أجل تدعيم الأمن والسلام الإقليميين فإنه يتطلب الدعوة إلى جعل المنطقة خالية من أشكال أسلحة الدمار الشامل كافة بما في ذلك السلاح النووي الذي تمتلكه إسرائيل.