د.ثريا العريض
أفقنا يوم الجمعة الماضي على خبر مهم إعلاميا، حيث نشرت صحيفة النيويورك تايمز مقابلة الكاتب الإعلامي الأمريكي الشهير ثوماس فريدمان - المتابع منذ عقود لمستجدات أحداث المنطقة العربية وعلى رأسها دول الخليج العربي - أجراها مع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد, مستوضحا تفاصيل مستجدات حملة القضاء على الفساد القائمة في المملكة العربية السعودية.
الأسئلة لم تخل - رغم اللغة المهنية المهذبة, وتعبيرات غير معتادة من فريدمان تؤكد ذهوله لما تحقق في واقع البلاد وحاضرها منذ 2015 -, من ميل معتاد يلمز بصورة غير مباشرة للتشكيك في دوافع الأمير الشاب وإمكانية تحقيق كل طموحاته في الإطار الزمني السريع الذي وضعه سموه لبرنامج التحول. الإجابات بما احتوت من توضيحات سمو ولي العهد لرؤية الملك, ورفض عرف الفساد المستشري, جاءت بلغة مباشرة وأرقام مؤكدة لتفاصيل وحيثيات الحملة لمكافحة الفساد المالي والإداري, مع الالتزام بحفظ الحقوق القانونية للمشتبه بهم بدئا من قمة الهرم للمسؤولين وأصحاب الأموال.
الأسلوب المباشر جاء مطمئنا للمواطنين الواعين لما كان يجري في البلاد من الهدر والاستنزاف للمخصصات المالية في ميزانية الدولة والمؤسسات لمشاريع وطنية كبرى. وتظل استعادة ما نهب هي الهدف, برؤية وإجراءات تصر على إحداث حاضر جديد للمملكة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا بأسرع وقت.
المؤكد أن هناك حاليا إجراءات تحول جذري ينفذ فعلا بقرارات رسمية, نعايشه نحن المواطنين عبر مستجدات القرارات الرسمية وأداء المسؤولين؛ ويلاحظه غيرنا ممن يراقبون تفاعلاتنا الاجتماعية وقراراتنا الرسمية, فيتكهنون بتحيز رغبوي بنتائجها مستقبلا, واحتمالات استدامة التحول ونجاح خططه، حيث تداعيات نجاحه لا تعني استقرار السعودية فقط, بل استقرار الجوار كله وتنقيته من السموم المهربة والاختناق بدخان الحرائق المستهدفة للأمن.
أفكر: لماذا تختلف المواقف المعلنة والمضمرة من أي تقييم أو تعديل؟ وتتفاوت النظرة تعمقا وسطحية, وردود الأفعال همسا رافضا أو صخبا يحتفي مصفقا للمستجدات في الإجراءات الرسمية؟ من الترحيب والتفاؤل إلى التشكيك في النتائج؟ ولماذا التناقض بين تزكية الذات من البعض وتبرير أي تجاوزات غير مقبولة قانونيا أو شرعيا أو إنسانيا, وبين جلد الذات وتضخيم أي خطأ يحدث ليبرر تقييما سلبيا لكل المجتمع أو أي مؤسسة بعينها؟
الأمر لا يتعلق فقط بمصداقية مصدر التقييم واحترامنا لمعاييره وأدائه، ولا بمعرفتنا لأنفسنا وصدقنا في مواجهة تفاصيلها، بل يتعلق غالبا بتقدير الفرد لنفسه وتفاصيل انتمائه وبرغبته في أن يحتفظ بشعوره باحترام الآخرين له.
الضحية الكبرى في ازدواجية القيم ومتقبلات الممارسة في تعامل المجتمع هو الوطن. والتهاون في ضرورة احترام حق الوطن علينا ينتهي بخسائر للجميع ؛ المجموع والأفراد المرتكبين للتهاون.
شخصيا أتفق مع الرؤية: لابد من تنفيذ خطة تحول جذري في أحكام المتقبل والمرفوض في التصرف الفعلي لكل مواطن كائنا من كان. وأدعو بالنجاح السريع لبرنامج التحول بمعنى محو أوضاع الماضي وكل ما أثمرت من فساد مدمر للمجتمع والاقتصاد، وأن يكون التغيير كما أكد سمو ولي العهد في إجابته لفريدمان.
التحول الذي بدأ الآن بقرارات رسمية, يجب أن يتجذّر في الفكر والتصرف اليومي لنعايشه نحن تحولا في القيم المسيرة للتعامل فردياً وعاماً؛ ويلاحظه غيرنا ممن يسجلون متغيراتنا ويتنبؤون باتجاهاتنا المستقبلية ومدى احتمالية استدامة التحول ونجاح خططه.
ولنا أن نتفاءل بالقادم على كل الجبهات.