جاسر عبدالعزيز الجاسر
كثيرة هي الأحاديث الصحفية والتلفازية التي تجرى مع قادة الدول ورجال الدولة المؤثرين، إلا أن البعض منها فقط يشفي غليل المتلقي، قارئاً أو مشاهداً وحتى مستمعاً، وغالباً ما يكون المحاور من وراء البحار، وهكذا كانت المقابلة الصحفية لصحيفة نيويورك تايمز، والتي أجراها الكاتب والصحفي الأمريكي توماس فريدمان.
الصحيفة هي الأكثر تأثيراً في أمريكا، وقد تكون في الغرب عموماً، والمحاور فريدمان واحد من الكتّاب والمحاورين الصحفيين الكبار والمعروفين بدقة معلوماته وسعيه للوصول إلى الحقيقة بطرح الأسئلة المباشرة، والتي قد يجدها البعض استفزازية إلا أنه لا يجامل ويسعى بشتى السبل لمعرفة الحقيقة، ونقلها لقرائه ومتابعيه، وهم كثر في أمريكا وخارجها.
وبنفس أسلوبه المباشر، وطريقته في الوصول إلى الحقيقة وإشباع نهم قرَّائه ومتابعيه، كانت مقابلة توماس فريدمان لسمو الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، حافلة بالمعلومات، عززتها وأعطتها قيمة إجابات الأمير محمد بن سلمان التي اتسمت بالشفافية والصدق وعدم المراوغة.. مراوغة لا يمكن أن تمر من خبير إعلامي يفهم «شعاب» المنطقة، وملم إلماماً كاملاً بكل تعرجاتها.
ومع أني لا يمكن أن أرتقي إلى تقييم عمل صحفي وكاتب ومحاور كبير كتوماس فريدمان، إلا أنني كقارئ ومتابع له ومتلهف لمعرفة ما يجري في بلادي، أُقرُّ وأؤكّد أن فريدمان نجح في الحصول على ما كنت أبحث عنه في أسئلته وبالذات ما يشغل بال السعوديين، وكل من يهتم بما يحدث في السعودية من أحداث ومتغيرات، وأولها وأكثرها اهتماماً حملة مواجهة «حيتان الفساد».
عن هذه المسألة، كان سؤال المحاور مباشراً، وأجابه الأمير محمد بن سلمان بشفافية، ومن خلال السؤال والإجابة تبين دقة السؤال وشفافية الجواب. يسأل فريدمان: ما الذي يحدث، في فندق الريتز؟ وهل كانت هذه هي لعبة السلطة الخاصة به والتي يهدف إلى إزالة منافسيه من أعضاء عائلته ومن القطاعات الخاصة قبل أن يمركز والده الملك سلمان، مقاليد السلطة في المملكة بين يدي الأمير محمد..؟
سؤال مباشر، وبصراحة وصدق هو يدور في أذهان وعقول الكثيرين داخل المملكة وخارجها، وطرحه جاء متوافقاً لكل من يريد الوصول ومعرفة الحقيقة من منبعها، وإجابة الأمير جاءت ليس فقط مقنعة ومنطقية بل متوافقة مع الحقيقة وما يعرفه كل سعودي، يقول الأمير في إجابته: إنه لأمر مضحك أن تقول بأن حملة مكافحة الفساد هذه كانت وسيلة لانتزاع السلطة. فالأشخاص المحتجزون في الريتز قد أعلنوا مسبقاً بيعتهم له ودعمهم لإصلاحاته، وأن الغالبية العظمى من أفراد العائلة الحاكمة تقف في صفه.
يوضح الأمير للمحاور الأمريكي حقيقة يعاني منها السعوديون، ويعرفها الكثير، ومنهم الأمريكيون بأن دولتنا عانت من الفساد، ومنذ الثمانينيات حتى يومنا هذا، وتقول تقديرات خبرائنا بأن ما يقارب عشرة بالمائة من الإنفاق الحكومي كان قد تعرض للاختلاس في العام الماضي بواسطة الفساد.
يوضح الأمير أكثر بأن الحكومة شنَّت الكثير من الحرب على الفساد ولكنها فشلت جميعاً، لماذا؟ لأن جميع تلك الحملات بدأت عند الطبقة الكادحة صعوداً إلى غيرها من الطبقات.
حديث المواجهة والشفافية يحمل الكثير من المعلومات والمواقف، وسنواصل مناقشته وسبر أغواره بعين مواطن سعودي..
وغداً نواصل.