د.عبدالعزيز الجار الله
البناؤون في مرحلة من مراحل العمل معمارًا للمباني أو الإدارة أو المال أما يتجاهلون بقصد أو يغيب عنهم بغير قصد خطوة من أصل البناء، وهي هيكل الزاوية، بعضهم يكتشف الخطأ فيصلح البناء ويتحمل خسائر إضافية، أما بعضهم الآخر - كما في مدينة جدة - يكمل البناء، وهو يعرف أن هيكل أو حجر الزاوية منقوص من البناء، وأن المنشأة معرضة للانهيار والسقوط في أي لحظة.
مدينة جدة أقامت معظم بنيتها التحتية ومخططاتها على هياكل إما ناقصة أو معطوبة، لا تكتشفها وتفضحها إلا السيول المنقولة، أو الأمطار المحلية الشديدة، وهذا لا يحدث إلا في الدورة المناخية كل (33) سنة وبمدة أقل كل (10) سنوات. وكان الأمر خلال الـ(40) سنة الماضية يسير بالتساهيل لأن مجاري الأمطار تصل البحر، وأمطار شرقي جدة القادمة من الهضاب الشرقية تستوعبها الأودية والمنخفضات، قبل أن تتحول الأودية والقيعان والشواطئ المكشوفة إلى أحياء سكنية واستراحات ومشروعات تجارية والسد الذي يحجز السيول.
أمانة وبلدية جدة غاب فيها الضمير الأخلاقي والرقيب والأمانة وحل مكانها الفساد والضمير المغيَّب، ففي الأسبوع الماضي وتحديدًا الثلاثاء الماضي لم تكن هناك سيول منقولة لا من هضاب شرقي جدة ولا شمالها ولا أودية الجنوب التي كانت تجري عبر مجاريها السيول وتصل البحر أو القيعان والسبخات لذا غرقت - وكما يقال - للمرة العاشرة.
التدخلات التي أحدثت الخلل هي: العامل الأول (التخطيط) التعديات العمرانية بفعل المخططات التي أغلقت المجاري المائية ومسيل الأودية.
العامل الثاني (الفساد) المالي من المسؤول الذي حوَّل مدينة جدة إلى مدينة للسرقات والتزوير والعقود الوهمية خلال سنوات.
العامل الثالث (الرقيب) غياب الرقيب الحكومي وتواطؤ البعض مع المقاول «الحرامي» لغض الطرف والتعامي عن السرقات ثم تمريرها.
ومتى اجتمعت الأمور الثلاثة: التخطيط الفاشل، والمسؤول الفاسد، والضمير المغيَّب، لابد أن تحدث سلسلة لا تتوقف من الكوارث وانهيار المدن وفشلها.