محمد عبد الرزاق القشعمي
سمعتُ بالأستاذ عبدالعزيز بن إبراهيم المعمر ودوره الوطني عندما بدأ العمال السعوديون في شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) بالمطالبة بحقوقهم وتحسين أوضاعهم المعيشية، واشتد الصراع بين الشركة والعمال مما سبَّب التوتر، وأثَّر على تصدير البترول بسبب إضرابات العمال، وكان من أبرزها إضراب عام 1373هـ/ 1953م، وكان المعمر وقتها مترجماً في الديوان الملكي؛ فوجه الملك عبدالعزيز بدراسة مطالبهم؛ فتشكلت لجنة لدراسة مطالبهم برئاسة عبدالعزيز المعمر. وبعد وقوف اللجنة على الطبيعة ولقائها بالطرفين أوصت بإنشاء مصلحة للعمل والعمال بالقرب من مقر الشركة؛ لتكون المصلحة محايدة، وترعى شؤون العمل والعمال، وهكذا كان؛ فقد وافق الملك سعود - الذي خلف والده بعد وفاته - على تأسيس المصلحة، وأن يكون مقرها الدمام، وتكون برئاسة عبدالعزيز المعمر. وهكذا بدأ المعمر بتأسيس مصلحة العمل والعمال عام 1374هـ/ 1954م، واختار مجموعة من خيرة الموظفين الوطنيين، منهم من سرحتهم الشركة من العمل.. وقد لعبت المصلحة دوراً مهماً في التقريب بين الشركة وعمالها، مع الضغط على الشركة في تحقيق كثير من مطالب العمال من حيث تحسين السكن والإعاشة والمواصلات والتعليم، ومساواتهم بغيرهم من العمال الأجانب؛ مما أغضب الشركة، وكادت له من المكائد الشيء الكثير للتخلص منه، واتهم ضمن ما اتهم به بتوزيع منشورات ضد الدولة؛ فسُجن رغم عدم ثبوت التهم عليه، وخرج (المعمر) من السجن ليعيَّن عام 1379هـ/ 1959م مستشاراً خاصًّا في الديوان الملكي بالمرتبة الممتازة، ثم يصبح سفيراً للمملكة في سويسرا.
وقد سمعت من الأستاذ محسن باروم (أول ملحق ثقافي سعودي بأوروبا) ومقره في جنيف عام 1381هـ/ 1961م، عندما كان المعمر سفير المملكة هناك، وكان باروم مسؤولاً عن الطلاب السعوديين في جميع دول أوروبا، وكان يلتقي المعمر في العطل الأسبوعية، ومعه الطلاب الدارسون في سويسرا، وكان المعمر يعاملهم كأبنائه، ويتابع تحصيلهم، ويحنو عليهم.
حاولت الاطلاع على ما كتب عنه وعن سيرته العلمية والعملية فوجدت أن والده إبراهيم بن محمد المعمر قد كانت له مكانته المرموقة في الديوان الملكي، وكان الملك المؤسس يعتمد عليه، ويكلفه بأمور كثيرة. ولنعد إلى شيء من سيرة الوالد الذي وُلد بالكويت عام 1295هـ/ 1878م، وكان والده محمد يزاول التجارة بالكويت، وبعد أن تلقى مبادئ القراءة والكتابة بعثه والده إلى الهند لتلقي العلم هناك، فتعلم اللغات الإنجليزية والأوردية والفارسية بالدراسة والممارسة؛ إذ كان يساعد والده بالتجارة.
استقر بعد ذلك في مصر سنوات عدة، وكان أديباً، وله مشاركات بالكتابة في الصحافة العربية هناك، وقيل إن له دورًا في الرد على ما يكتب عن الملك عبدالعزيز من معلومات خاطئة بُعيد دخوله الحجاز، وإنهائه حكم الأشراف.
عرض عليه السلطان عبدالعزيز العودة والعمل معه، فوصل الحجاز في رجب 1344هـ/ يناير 1926م، وعُين فور وصوله رئيساً للديوان الملكي، وكتب في جريدة (أم القرى) وصفاً تفصيليًّا للرحلة الملكية من مكة إلى المدينة عام 1345هـ على حلقات. وقد رافق الأمير (فيصل) في رحلته الثانية إلى أوروبا عام 1926م، وحضر معركة السبلة عام 1347هـ/ 1929م. وقال محمد المانع في (توحيد المملكة) إن ابن معمر كان على رأس مفرزة الرشاشات والمدافع، كما شارك في معارك أخرى. وعُين عام 1352هـ/ 1933م وزيراً مفوضاً للمملكة في العراق لمدة أربع سنوات، عاد بعدها ليعين قائم مقام جدة عام 1356هـ/ 1937م.
يقول الشيخ حمد الجاسر في (سوانح الذكريات): إنَّ إبراهيم المعمر قد سهل له الالتحاق بالبعثة الطلابية في مصر عام 1358هـ/ 1939م.
نعود إلى ابنه عبدالعزيز الذي يقول حفيده سعود إنه مولود في الزبير فنجد أن مجلة (الكويت) - لصاحبها عبدالعزيز الرشيد - تذكره في جزئها السادس الصادر في شهر صفر من عام 1347هـ/ 1928م؛ فكُتب ضمن أخبارها خبرٌ عن (بعثة نجدية تؤم القاهرة): «ليس هناك من ينكر فوائد العلم الجليلة التي تعود بالخير العميم على البلاد وأهلها، ولا من يكابر بأن أول خطوة تخطوها الأمة التي تريد حياتها في هذا العصر هو الاهتمام بإرسال البعثات العلمية من أبنائها المخلصين إلى البلاد الأجنبية؛ ليشربوا من نمير علمها ما هي في حاجة إليه.
وهذا ما حدا بجلالة الملك عبدالعزيز السعودي الساهر على مصالح بلاده إلى أن يجعل هذه النقطة المهمة نصب عينيه، ويعطيها من اهتمامه ما هي جديرة به.
ولهذا فقد أصدر أمره المطاع أخيراً بإرسال بعثة علمية ثانية إلى القاهرة مؤلفة من هؤلاء الشبان النجديين: عبدالله بن إبراهيم بن معمر، وعبدالعزيز بن إبراهيم بن معمر، ومحمد بن حمد العبدلي، وحماد بن حمد العبدلي، ومهنا بن عبدالعزيز بن معيبد، وعبدالرحمن بن محمد البسام. وقد سافرت تلك البعثة إلى مصر في آخر محرم من جدة إلى السويس على ظهر الباخرة المسماة (المنصورة). وفقهم الله في مهمتهم، وأرجعهم إلى أهلهم سالمين، وأبقى لهم وللعرب جلالة الملك عبدالعزيز آل السعود حارساً ومعيناً».
بعد دراسته المرحلة الثانوية في مصر نجده ينتقل للدراسة في الجامعة الأمريكية ببيروت، ويرتبط بعلاقة صداقة بعدد من الطلاب من مختلف الدول العربية، فنجد أحمد الخطيب يقول في كتابه (الكويت: من الإمارة إلى الدولة): إن علاقة حميمة ربطته بالطلبة السعوديين أمثال عبدالعزيز المعمر، وعمر السقاف، وعبدالرزاق الريس، وزياد الشواف.. وقال: إن المعمر كان يحذر عبدالرزاق الريس من مغبة الاندفاع في تأييد مطالب العمال السعوديين [ في أرامكو ] كيلا يتعرض للمساءلة، فلم يمتثل. وقال إن المعمر قد عُين مترجماً للملك عبدالعزيز عندما رجع إلى السعودية. ويقول على لسان المعمر: إنه في إحدى المرات جاء مدير شركة أرامكو الأمريكي إلى الملك عبدالعزيز، وعندما رآني سألني من أنا ومن علمني اللغة الإنجليزية؟ فقلت له إني خريج الجامعة الأمريكية في بيروت. فالتفت إلى الملك قائلاً: كيف تعين شخصاً خريج جامعة عندك؟ المتعلمون يشكلون خطراً عليك، فترددت في ترجمة ذلك للملك، لكنني خشيت أن الملك يعرف بعض الإنجليزية، وإذا لم أترجم ما قاله فقد يفقد ثقته بي، فترجمت ما قاله حرفيًّا. فقال الملك: قل له إنني أعتبرك واحداً من أبنائي، ولا خوف منك.
وقال إن المعمر اتُّهم هو أيضاً، كما كان الريس قد اتُّهم من قبله بأن له يداً في اضطرابات عمالية حدثت إبان مسؤوليته.
قال عنه إسحاق الشيح يعقوب في كتابه: (عبدالعزيز المعمر.. ذاكرة وطن) إنه أثناء دراسته في الجامعة الأمريكية في بيروت كان يتلقى علوم الرياضيات، وكان من الطلاب المتفوقين، وذوي الملكات اللماحة، بل كان مبرِّزاً بنبوغه وسرعة بديهته. كان كثيراً ما يرتاد مكتبة الجامعة؛ إذ كان قارئاً نهماً.. قال عنه زميله (مراد القوتلي): كنت أعجب أنه قليلاً ما يراجع دروسه الجامعية إلا أنك تراه أبداً في طليعة الطلاب المتفوقين.
مع نهاية الحرب العالمية الثانية كان الوحيد الخريج حديثاً، الذي يحمل شهادة علمية، وأصبح مرافقاً وملازماً لعاهل الجزيرة العربية الملك عبدالعزيز، ويقوم بترجمة أنباء الصحف العالمية، وتلقي الأخبار من المذياع كل مساء، وإلقائها بين يدي الملك.
عند تعيين عبدالعزيز المعمر مديراً عامًّا لمصلحة العمل والعمال بالمنطقة الشرقية من المملكة عام 1374هـ/ 1954م حل كثيراً من الإشكالات والخلافات بين العمال وأصحاب العمل، وبالذات عمال شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو)، وقال عنه إسحاق الشيخ يعقوب «.. إنه كان منظَّماً ومنظِّماً، وقد سلّح مصلحة العمل والعمال بكوادر سعودية من خيرة الشباب الوطني.. وقد تحقق في عهده كثير من مطالب العمال السعوديين بتحديد ساعات العمل بثماني ساعات بعد أن كانت أكثر من عشر ساعات، وتم تأمين نقل العمال من أعمالهم إلى منازلهم بدل المشي على الأقدام. وبنيت لهم المساكن المكيفة بدل الخيام، وتم تحسين رواتبهم وإعطاؤهم إجازات أسبوعية مدفوعة الأجر، وبنيت المدارس لتعليم أبنائهم، وصدر قانون العمل والعمال يحدد صلاحية العمل وفقاً لشروط إنسانية».
وهذا ما تحقق في الفترة القصيرة التي قضاها في مصلحة العمل والعمال، وهي لا تتجاوز السنة والنصف.
ونجد جريدة (اليمامة) تجري مقابلة معه بعد توليه إدارة شركة كهرباء الرياض.. ففي العدد 38 الصادر يوم الأحد 9 ذي القعدة 1375هـ الموافق 17 يونيو 1956م تحت عنوان: (مع المدير الجديد لشركة كهرباء الرياض) نختار مقدمته: «عين سعادة الأستاذ عبدالعزيز بن إبراهيم المعمر مديراً للشركة الوطنية السعودية للكهرباء في الرياض بانتخاب إجماعي من مؤسسي الشركة. وسعادته من خيرة من يوكل إليه هذا العمل، الذي يحتاج القائم به مع الكفاءة والنشاط إلى خبرة فنية لا تعوز الأستاذ عبدالعزيز، وقد زار مندوب (اليمامة) سعادة المدير الجديد، وعبر لسعادته عما يشعر به كل فرد في هذه البلاد من الارتياح والسرور لإسناد إدارة هذه الشركة الوطنية إليه. هذا المنصب الذي يقل قدراً ومكانة عما يتصف به الأستاذ عبدالعزيز من صفات عالية تؤهله لأسمى المناصب، وتقدم إليه باستيضاحات حول هذا المشروع الذي يتمنى كل فرد من سكان هذه المدينة له النجاح العاجل لشدة الحاجة إليه.. «.
سُجن بعدها سنة ونصف السنة بتهمة نسجتها شركة أرامكو له، وهي توزيع منشورات ضد الدولة.. وقيل إن فترة سجنه من رمضان 1384هـ مايو 1955 حتى قبيل اختياره مديراً لشركة الكهرباء، وبعد خروجه من السجن ببضعة أشهر أعاده الملك سعود مستشاراً خاصًّا لديه في الديوان الملكي في 17/ 5/ 1379هـ في المرتبة الممتازة، وكان ذلك بمنزلة تبرئة مما نُسب إليه.. وفي عام 1380هـ / 1960م تشكلت وزارة ما سمي (وزارة الشباب) بعد استقالة الأمير فيصل رئيساً للوزراء، وكان لعبد العزيز المعمر الدور البارز في ذلك لكونه المستشار الخاص للملك سعود.
وفي العام التالي 1381هـ/ 1961م عُين عبدالعزيز المعمر سفيراً فوق العادة في سويسرا، وفي حدود عام 64/ 1965 تلقى أمراً بترك منصبه والعودة إلى الوطن.
تتبعت ما كان ينشره من مقالات في الصحف السعودية، وكان أول ما عثرت عليه مقالاً نشرته له جريدة (البلاد السعودية) بعنوان: (المدينة الغربية) بالعدد 611 وتاريخ 9 /8/ 1365هـ الموافق 8/ 7/ 1946م بُعيد تخرجه من الجامعة وعودته للمملكة. اختتم المقال بقوله: «.. وتقدم المدنية الغربية الحديثة يتوقف - إلى حد كبير - على نمو وتطور قوميات منظمة تنظيماً حسناً، تقوده حيوية وعبقريات مميزة إلى الإنتاج العلمي والأدبي والفكري، وما دمنا في محضر الكلام عن القومية ولا بد من الإشارة إلى الحركات الاستقلالية العنيفة التي قامت بكل من هولندا وبولندا وإيطاليا وألمانيا، والتي تكوِّن جزءاً من تاريخ أوروبا الحديث».
وبعده مقال (حول أثر العرب في الحضارة الأوروبية)، وقد كتب تحت عنوان المقال أنه بقلم الأستاذ الأديب عبدالعزيز بن إبراهيم بن معمر، ونشرته له مجلة (المنهل) في عددها الأول من سنتها السابعة في شهر محرم 1366هـ الموافق ديسمبر 1946م.
وهو يعلق على ما كتبه عباس محمود العقاد عن الأثر المتبادل ما بين الحضارتين العربية والأوروبية، وهو ما تناوله في كتابه (ما بعد التحول).
وسلسلة من المقالات تحت عنوان: (الزيت والدولة في الشرق الأوسط)، نشرتها له جريدة (اليمامة) من العدد 238 في 13 ربيع الأول 1380هـ/ 4 سبتمبر 1960م، حتى العدد 249 في 1 جمادى الآخرة 1380هـ/ 20 نوفمبر 1960م.
وكذا مقال: (تقرير البنك الدولي عن التنمية الاقتصادية في المملكة العربية السعودية)، نشرته له اليمامة في العدد 284 بتاريخ 17 صفر 1381هـ/ 30 يوليو 1961م.
وإن كان الدكتور عبدالعزيز بن صالح بن سلمة قد ذكر في كتابه (اليمامة وكتابها من عام 1372 - 1382هـ) أن عبدالعزيز بن إبراهيم المعمر «قد درس في القاهرة، وتخرج في جامعة القاهرة، وعمل في نهاية عام 1375هـ مديراً عامًّا لشركة كهرباء الرياض. وعُين في جمادى الأولى 1379هـ/ نوفمبر 1959م مستشاراً لجلالة الملك سعود، واقتصرت مقالاته على المواضيع الاقتصادية وقضايا البترول في الشرق الأوسط». وقد ذكر أن له في جريدة اليمامة 24 مقالاً.
هذا، وقد نشرت مجلة اليمامة في عددها الخامس لسنتها الثانية الصادر في شهر جمادى الأولى 1374هـ/ يناير 1955م قصيدة للشاعر عبدالرحمن محمد المنصور بعنوان (حرمان) مهداة إلى أخي الكريم عبدالعزيز بن معمر نختار، منها قوله:
أنا ظمآن ولكــــن
جرح القيد يديـــا
ومياه النهر حولي
عذبة ترنو إليــــا
يا ترى تسخر منـي
أم ترى تحنو عليا
لست أدري غير أني
جرح القيد يديـــا