د.عبدالله الغذامي
التعددية الثقافية ليست مقولة نظرية بمقدار ما هي واقع ماثل، يقمع ويطمر ولكنه موجود، ومهما تجاهلته فإن له حيلاً كثيرة للعودة والظهور ليس بسبب قوته وليس بسبب منطقه الفلسفي، وإنما لأنه موجود بالضرورة البشرية، بما أن البشر متنوعون في ألوانهم ومشاعرهم وذهنياتهم، ومثلها في معتقداتهم كأذواقهم، وتخيلاتهم، ومهما جاء ظرف يهيمن فيه طيف على أطياف فإن الأطياف تظل تعيش حتى في الظل، وتظهر للنور كلما رأت الطريق مضاء أمامها. وفي التعددية الثقافية ينتفي فرض الرأي ليس كرامة ولكن صعوبة، وسيجد كل صوت متسعًا له على مقدار مساحة حلقه.
ومع أن هذه حقيقة بشرية معاينة ومتصلة إلا أن الثقافات تجنح دومًا إلى تغليب صوت على أصوات، وهي ظاهرة متصلة في الأنظمة الديموقراطية والاستبدادية معًا، والفرق أن الديموقراطية تعطي مساحة للصوت المخالف ولا تقمعه عن التعبير عن نفسه ولكنها لا تعطيه فرصة لتحقيق مبتغاه ما لم يتمكن من تحقيق غلبة معنوية بأن يحصل على أصوات توصله لمراكز القرار، أو مادية بأن يكون له رأس مال كبير يجعله في الصدارة، بينما الأنظمة الاستبدادية تجنح لمنع الصوت بما أنه صوت وتراه نشازًا تجب حماية الناس من خطره، وفي الحالين سترى قمعًا ناعمًا أو قمعًا كاسحًا، ولكن التعددية ستظل حقيقة بشرية، وستظل تعيش فإن لم تجد نورًا تظهر عبره فستعيش في الظل، أو في الظلام وهذا هو الأخطر.