يزمع هذا المقال أن يدرس (ثلاثية السقوط) في معلقة عنترة بن شداد التي يستعين بها الشاعر الأسود/ الهامش ليسقط القبيلة/ المركز؛ ويتبوأ التمركز؛ فيتحول المركز إلى هامش، والعكس، وذلك عبر ثلاثية (الشجاعة والمحبوبة والخمر).
ففي الأبيات الأربعة الأولى (الوقوف على الأطلال) نلحظ خطابه الموجَّه إلى المكان الذي يربطه بالمحبوبة. والمكان والمحبوبة هنا هما الوسط بين الهامش/ الشاعر والمركز/ القبيلة.
كما يظهر لنا الربط بين الحبيبة والقبيلة والمقابلة بينهما؛ فالحبيبة هنا مقابل القبيلة التي سلبته مركزه/ حبيبته
(علقتها عرضا وأقتل قومها
زعما لعمر أبيك ليس بمَزعَمِ)
وفي معرض افتخاره بشجاعته فإن الشاعر يكتفي بثناء محبوبته باعتباره القوة التي يتقوى به على القبيلة/ المركز؛ فالشاعر يبين ضعفه أمام القبيلة التي لا تثني عليه بالاستقواء بالمحبوبة التي تثني عليه بما تعرفه عنه:
أثني علي بما علِمْتِ فإنني
سمحٌ مخالقتي إذا لم أظلم
وفي بيت آخر (وكما عَلمتِ شمائلي وَتَكَرُّمي)
ويستمر الخطاب متجهًا إلى محبوبته (هَلّا سَأَلتِ الخَيلَ يا ابنَة مالِكٍ) ليثبت شجاعته/ ضعفه بالاستقواء بالمحبوبة التي تنتمي لتلك القبيلة/ المركز:
وإذا ظُلمْتُ فإنَّ ظُلمي باسل
مرٌّ مذَاقَته كَطعم العَلْقم
يأتي بفعل الظلم مبنيًّا للمجهول لضعفه أمام القبيلة الظالمة؛ ثم يهرب عن توصيف ظلمه/ شجاعته بالشراب في البيت الذي يليه:
ولقد شربتُ من المدامة بعد ما
رَكَدَ الهواجرُ بالمشوفِ المُعْلمِ
وأخذ ينشغل بالشراب وكيف هي طريقة شربه ووقته؛ فربما يكون الشراب هو أفضل ما يقابل به هذه القبيلة/ الظالمة/ المركز.
ثم تأتي الشجاعة والقتال باعتباره استقواء آخر للشاعر حتى يتغلب على مركزية القبيلة. وحتى مع هذا الاستقواء لم يستطع ذكر المركز/ القبيلة بل ذكر محبوبته باعتبارها رمزًا لهذه القبيلة؛ لذا فإن خطابه يوجهه إلى المحبوبة/ الاستقواء/ المركز ليثبت من خلالها قوته وعدم هامشيته؛ فالأبيات التي ابتدأت من البيت (وحليل غانية تركتُ مجدلاً) إلى آخر وصفه لشجاعته كان قد سبقها توجيه الخطاب إلى الحبيبة/ المركز/ القبيلة.
وعند البيتين:
لما رأيتُ القومَ أقبلَ جمعهُم
يتذَامرونَ كَرَرْتُ غَيْرَ مذَمّم
يدعون عنترَ والرِّماحُ كأنها
أشطانُ بئرٍ في لبانِ الأدهم
يظهر لنا سقوط المركز/ القبيلة تحت الهامش/ الشاعر الأسود؛ إذ يلوذون به؛ فأنهى الشاعر قصيدته بتفوق الهامش/ الشاعر الأسود على المركز/ القبيلة عبر الاستقواء بالحبيبة والشجاعة والخمر.
وقد وصل الأمر بالشاعر/ الأسود/ الهامش أن يخشى الموت قبل قتال الأعداء حتى يثبت قوته أمام المركز/ القبيلة:
ولقد خشيتُ بأنْ أموتَ ولم تدرْ
للحربِ دائرة على ابْنَي ضَمْضَمِ
وينهي الشاعر بالبيت:
ولقد شفى نفسي وأبرأ سُقمها
قيلُ الفوارس ويكَ عنتر أقدم
الثنائية المركز/ القبيلة والهامش/ الشاعر الأسود بإبراء سقم نفسه حينما لاذوا إليه بعد استصغارهم له؛ وهنا يتحول المركز إلى هامش؛ ويتحول الشاعر/ الهامش إلى مركز بقوته وشجاعته.
- صالح بن سالم
@_ssaleh_