كان يا ما كان برنامج تلفزيوني في إحدى الفضائيات بعنوان «قلم رصاص»، ولأنه أقوى من الرصاص فقد أُغلق إلى غير رجعة.
لم يغلق البرنامج وحسب، بل لم أسمع أنّ مقدمه استطاع الظهور في برنامج آخر في الفضائيات التي تكاثرت «كالفقع» أو «الكما» أو الفِطْر أيام المطر والسيول! وبالرغم من أنّ الهواتف النقالة في وقت البرنامج لم تكن قد بلغت (توتش سكرين) أو التحكم باللمس، ولم يكن قد فتح سيدنا (غوغل ) مكتبات العالم وتاريخه وجغرافيته أمام أعيننا ونحن في بيوتنا، بل أصبح يدلنا على الطريق بالصوت والصورة، إلا أننا لازلنا نتعامل مع بعضنا البعض «بالقلم الرصاص» أو بالرصاص ذاته.
هل نخاف التفكير بعد مشوار التلقين الطويل منذ نعومة أظفارنا؟ وهل أصبحنا عاجزين أو معاقين؟ لماذا نحاول أن نلغي بعضنا بعضاً بالرصاص؟ وهل عندما تختلف معي بالرأي فأنت تلغيني أم تضيف لي؟ أين ذهبت الحِكَمْ التي تربينا عليها مثل «العلم نور» و «تعلم العلم ولو في الصين» و «اتبع اللي يبكيك ولا تتبع اللي يضحكك»، أين كل هذا وغيره؟ هل التلقين هو حفظ عن ظهر قلب أم عن ظهر وعي؟ وهل نحن نسير على مبدأ «توكّل» أم «اعقلها وتوكل»؟
كم أتوق إلى تقطيع العقال الذي على رأسي وتحت رأسي وداخل رأسي وحول عنقي وحول وعيي، ولكني أخاف من الحقيقة! فهي لا ترحم، بل لا تبقي ولا تذر! ووعيي داخل بيت زجاجي معتم! لا يرى أحداً ولا يراه أحد! وأنا مرتاح من التفكير! وعشش التخلف والكسل في وعيي ونفسي ووجداني وحتى عظامي!
كيف أُقطّعُ العقال؟ وكيف أخرج من القمقم؟ فالآخر لديه «قلم رصاص» وإن حاول إيقاظي سيحطم العش الزجاجي المعتم حولي! وأجد نفسي عارياً أمام الحقيقة! التي لا تبقي ولا تذر! ولكن هل يمتلك أحد منكم «قلماً سائلاً» لينقذني؟ فالسيل الفكري لا يجرف المساحات الشاسعة من التخلف كلها لدي، ولكني أقبل بجرفها بالتدريج ليخفف من معاناتي! وربما يسقي بسيوله بقايا الواحات في وجداني ويعشب ثراها! بشرط أن لا يجرفني كلي! كما فعل السيل في جدّة!
يا أفواج الأقلام السائلة، أنقذوني من نفسي! احرثوا وازرعوا واسقوا أرض وعيي كي لا أموت قاحلاً!
- د. عادل العلي