أي شيء بالعيد أهدي إليك ياملاكي ؟!
إن كان إيليا أبوماضي يتغزل بحبيبته فأنا أتغزل عشيقتي حتى وإن كان عشّاقها كثر فهذا من حسنها وبهائها وبرّها الذي عُهد عنها ولمَ لا ؟
وقد توسدتْ نجومَ السماء كنياشين العز والفخر نعلقها على صدورنا فتزيدنا شرفاً وإن قابلنا ذلك أحياناً بالعقوق والنكران السخيف !
مازلت أسبر أغواراً لست أدرك غايتها وأحاول أن أعانق درّاً لست أحصيه وأتحسس أطراف ثوبٍ ولكني أجد نفسي جاهلاً في بلوغ مرامه ومهما طال بنا الأمد لنحسن اللحاق بشيء من فتات اللغة فلسنا نحسن ذلك! ما أجمل لغتنا ! حين تراوغنا مراوغة جميلة فيها من اللفتات الذكية التي لا توجد في لغات العالم ! وتلتف بسهولة ويسر كالسهل الممتنع الذي تراه ويصعب عليك إدراكه ! ما أجمل لغتنا ! وهي تتحفنا بجديدها القديم حين نشنّف آذاننا بعجيب البيان وكأنّها قد فُتقت للتو من صمم مزمن ! نعم القرآن الكريم معجز ما سابقه أحد إلا سبقه بجمال ألفاظه ومعانيه وبقوته البيانية وبلاغته الساحرة حين تقرأ بعض الآيات الكريمات وقد اختزلتْ ذاكرتك من اللغة ما يعطيك أن تعجب ببراعة الجمل وحسن أدائها فإنك بلا شك تقف مدهوشاً بفصاحته المعجزة وإن لم يكن له متعة غير هذا لكفى ! ( إن من البيان لسحراً) هي ليست لعمرو بن الأهتم فحسب وإنما لكل قطعة بلاغية مطرّزة برّاقة من حديقة مورقة قد جادها الغيث فأزهرت ربيعاً في قلوب أصحابها معلّقة كسوار في جيد حسناء تتباهى به! هذه اللغة التي قدّمها الله سبحانه على كل اللغات فكان لها شرف القداسة كلغة للقرآن الكريم بحروفها الثمانية وعشرين.
قال أبوتمام في قصيدته البائية في فتح عمورية يمدح المعتصم:
غادرتَ بهيمَ الليل وهو ضحىً
يشلّه وسْطُها صُبحٍ من اللهبِ
إليك كلمة يتغير المعنى فيها بتغير حركة واحدة على حرف واحد ظلت في ذاكرتي مذ حفظتها ردحاً من الزمن أرددها بلذة الطعم الذي أستسيغ فيه قصائد الفحول وأستمتع فيه بالشعر الجزل الذي ينعش الذاكرة العتيقة لكي لا يهترئها الصدأ من عوادي الزمن. (وسْطُها) بتسكين السين المهملة وضم الطاء المهملة وكثير منا ينطقها بتحريك السين دون ضبط وتدقيق لأن ما يتعلق بذاكرته اختلاط العامية بالفصحى وقد ضاع لسانه وضاعت الحروف والحركات بين هذا وذاك !
ومعنى ذلك هو موضع الشيء وكذلك عندما تشير لوسط الدار وهي ظرف مكان بينما (وسَط) بتحريك السين المهملة إنما تعني أفضل الأشياء وأعدلها كقولنا نحن أمة وسَطا عطفاً على قوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمةً وسَطا) وكقولنا رجل وسِيط أي كريم الطرفين قال الشاعر:
ومن يفتقر في قومه يحمد الغنى
وإن كان فيهم واسِط العم مُخولا
هذا أنموذج في ومضة بيانية تتمتع بها لغتنا الرائعة دون سواها من اللغات وقس على ذلك الكثير والممتع فعيدك أيتها الجميلة كل الأيام وعمرك كل السنين دون استثناء.
- زياد بن حمد السبيت