تقولُ والدتي:
عندما كُنتِ صغيرة؛ كُنتِ قطعة سُكّر تذوب حدّ التَّماهي في محيطها.
تُحبُّ ألعابها، وحيواناتها الصغيرة.
حتى القنفذ الذي كان يتكوّر شاهرًا في وجهك أشواكه كُلّما أقبلتِ عليه لتطعميه؛ كُنتِ تحزنين لأنّه لا يأكل من يدك!
عندما كبرتُ، وصرتُ قطعة ملح؛ لم أنسَ قصة الذوبان حدّ التّماهي!
قضيتُ عمري غارقة بين التّفاصيل؛ أخرج من ذوبان؛ لأقع في فخّ غيره!
قضيتُ جُلّ نضجي ذائبة في الأشياء حدّ الملوحة، لا أحد يراني؛ كائن يخترقه كل شيء، ولا يخترق هو أي شيء!
كان ذوبانًا.. وصار ذوبانًا!
الفرق بين الذوبانين؛ أنّ? الأوّل كان حُلوًا؛ لأنّني لا أعي!
والثاني كان مالحًا جدًا؛ لأنّني أُدرك تمامًا ما أعي!
----
كان يغار!
يغار جدًا.
لكنه يعرف كيف يخبئ غيرته!
ينتقم لقلبه مِنّي بالأفعال لا الأقوال.
يتركني أتجرع كلّ وجع تجرعه، دون أن يجعلني أشك في أنّه يتعمد ذلك.
في الليلة التي آلمني فيها وآلمته؛ كان يبتسم بشموخ الرّجال.
يتنفس بعمق، كمن يريد أن يطفئ حريقًا داخليًا بقوة أنفاسه.
وضع عينه في عيني وقال:
مبروك!
لا يحزنني أن تكوني سعيدة أبدًا.
بنصف ابتسامة رحل.
....
لم يكن يومًا جيّدًا على أيّة حال
إلا أن ما حدث من أعراض مزعجة في ثناياه -في تقديري- يمكن اعتبارها ظاهرة صحية، ومؤشر للعمل المتحرك الدؤوب.
مساحات هادئة من التسامح صارت تنبت في روحي بعد كل عقبة تحدث ولا يد لي فيها.
كنت أظن أنني صاخبة!
اكتشفت بأنني هادئة جدًا وما صخبي الذي أزعمه إلا عالم داخلي لا يشعر به أحد سواي.
ربما أمارس بعض الجنون اللا إرادي وقت غضبي وحزني كأن أضحك على أتفه الأسباب وأنا أشرق بدمعي لأتخفف من الثقل.
اكتشفت أن روحي خفيفة جدًا -ليس مدحًا- فهي خفيفة لا تحتمل ما يثقلها من مناكفات لذا تجنح للسلم حتى لا تموت تحت وطأة ثقل الغضب، والنزاع، وعدم الارتياح.
كان يومي جميلاً..
على أنه لم يكن جيّدًا على أية حال!
.......
كنتُ أرى، وأسمعُ كلّ ما جرى!
لكنّني غضيضة الطّرف.
لا أبدأُ بالضّجيج، ما لم يَجُرّني هو إلى ويلاته؛ عندها فقط يمكنني أن أُبدّل جلدي النّاعم، وأقاوم كأشرس ذبيح يتشبث بالحياة.
يا سيّدي: أنا المرأة التي لا تقتلها الخيبات، حتى وإن زلزلتها من جذورها.
أنا المرأة الوطن التي تلّم شتات ما بعثرته المنافي.
أنا الأنثى التي تشحذ الخيبات روحها، فتشع كألماسة وحيدة في كهف معتم.
تذكّر هذه المرأة جيّدًا، فهي قد تمر عليك مرة واحدة من بين مليون امرأة
- د. زكيّة بنت محمّد العتيبي