أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: تحدثت في السبتية الماضية عن رائية المنخل بأن قصيدته من مجزوء بحر الكامل، وأن البيت الأول مصرع، ووزن عروض المصرع على وزن الضرب هكذا (مفاعلاتن - //ه//ه/ه).. وبغض النظر عن مصطلحات العروض السخية التي تصيب الرأس بالدوار: فالـمحقق عندي من خلال معاناتي في استخراج الألحان من الشعر العامي: أن العروض الـمصرع والضرب يغنيان موالا؛ ليكونا مدخلا إلى اللحن، وفائدة تحويل الشطر الأول إلى التصريع: أنه يرسم لحن القصيدة من خلال الموال، ومن ثم يستقر لحن القصيدة على وزن ( متفاعلن) عروضا، و(متفاعلاتن ) ضربا، ولا يقبل اللحن من البيت المصرع إلا بالـموال بما سيأتي من تسكين متحرك أو تحريك.. إلخ.
قال أبو عبدالرحمن: وأما كثرة الزحافات ؛ وهي غير ثابتة في كل بيت: فإنها تـخل باللحن الغنائي؛ ولهذا لا يتم اللحن إلا بتصرف في بنية الكلمة من تحريك ساكن، أو إسكان متحرك، أو مد حرف غير ممدود.. وكثرة الزحاف دليل على أن الشعر غير موسيقي، وأن الشاعر لا يغني بشعره.. وأجمل ما في تغزل المنخل قوله:
فدفعتها فتدافعت
مشي القطاة إلى الغدير
ولثمتها فتنفست
كتنفس الظبي البهير
قال أبو عبدالرحمن: من لم ير مشي القطاة إلى الغدير مثلي: فهو محتاج إلى خبرة مـما كتب عن الحيوان كالحيوان للجاحظ ؛ لنعرف وجه الشبه ؛ ولا فراغ لي الآن للتنقيب عن ذلك.. وأما السياق في وصف تنفس الظبي : فيدل على أنه تنفس خائف يتنفس عن إعياء وثقل؛ لأن نفسه متتابع في العدو خوفا من شيء قد بهره.. وأما كون الـموال يرسم اللحن إذا كان الشاعر يغني بشعره، ويرسم الوزن على الغناء، ولا يضبط الوزن على التقطيع البصري كما نشاهده اليوم من المتشاعرين، وكما يظهر لنا من أشعار القدماء الذين كان شعرهم نثريا، ومثل ذلك نظم العلماء المسائل العلمية كألفية ابن مالك، ولا سيما على بحر الرجز، وهو بحر نثري؛ إذن إذا كان الشاعر يـغني بالموال لضبط اللحن لا الوزن وحسب: فقد بينت أن ذلك سبيل القدماء، ولا يزال معايشا رؤية وسماعا عند شعراء العامية ؛ فالقدماء الفصحاء يضبطون اللحن بما يسمونه ( التنعيم ) بالعين المهملة مثل (نعم لا/ نعم لا لا).. إلخ؛ وقد أفضت عن ذلك في أحد مقالاتي بهذه الجريدة؛ وأما العامة فيضبطون اللحن بما يسمونه ( الهينمة) بتقديم النون على الميم، أو الهوبلة (ولها اسم ثالث نسيته الآن).. وقد شاهدت وسمعت الشاعر عبدالله اللويحان إذا بدأ الرد في شعر القلطة يهوبل ليرسم اللحن بمثل ههاها هي - هها ها.. إلخ ؛ وذلك وزن مثل: (ألا يا نجد يمنتج رجال تعطب المضراب)؛ ووزنها: (مفاعيلن - فعولن.. إلخ).. وبقية قصيدة المنخل:
فدفعتها فتدافعت
مشـي القطاة إلى الغدير
ولثمتها فتنفست
كتنفس الظبي البهير
فدنت وقالت يا منخل
[م] ما بجسمك من حرور
ما شف جسمي غير حبك[م]
فاهدئي عني وسيري
وأحبها وتحبني
ويحب ناقتها بعيري
يا رب يوم للمنخل
[م] قد لها فيه قصير
فإذا انتشيت فإنني
رب الـخورنق والسدير
وإذا صحوت فإنني
رب الشويهة والبعير
ولقد شربت من المدامة
[م] بالقليل وبالكثير
يا هند من لمتيم
يا هند للعاني الأسير
قال أبو عبدالرحمن: في هذه الأبيات ما هو مستهجن لولا دلالة السياق؛ وهو قوله (ويحب ناقتها بعيري)؛ ولكن هذا الاستهجان زال بدلالة تلاقح الحب بين كل الأطراف؛ وقوله: (فإذا انتشيت) مع البيت الذي بعده لمحة فكرية معايشة عن أحوال المعربدين منذ يرى واحدهم الديك حمارا إلى أن يميز شويهته عن وعي، والبيت الأخير فضول ؛ لأنه بدا له أنه ربما وجد من ينوب عن هند إن لم تتفاعل معه؛ وليست هذه سنة المتيمين، وإلى لقاء في السبت القادم إن شاء الله تعالى, والله المستعان.