موضي الزهراني
ما زال أطفال النزاع الأسري يدفعون ثمن انفصال والديهم، ويتحملون ما هو فوق طاقتهم الجسدية والنفسية، بل ويعيشون مرارة هذه التجربة حتى لو تجاوزوا مرحلة طفولتهم التعيسة بسبب أبوين لا يهمهما إلا مصلحتهما الشخصية وراحتهما النفسية! إن أكثر أطفال العنف الأسري معاناة هم «أطفال المطلقات» وتتسع دائرة هذه المعاناة أكبر عندما يتعنت الأبوين في حق الحضانة، أو الرؤية والنفقة، وللأسف أكثر الأطراف تعنتاً وإشكالاً هو «الأب» حسب ما تابعته من حالات للعنف الأسري في وحدات الحماية الاجتماعية! فالبعض منهم يتجرد من صفات الأبوة الطبيعية، ومن السمات البشرية ويتقدم للجهات الأمنية والقضائية شاكياً «أم أطفاله» لمجرد أنها كسبت حقها الشرعي في حضانة أطفالها! بل ويصمم على شكواها والتشهير بها وبأطفاله من محمكة لأخرى ومن مركز أمني لآخر عند طلبه رؤية أطفاله غير عابئ بآثار هذه الشكاوي والمطالبات على موقف أطفاله منه عند الكبر! فهذه المعاناة التي يمر بها أطفال النزاع الأسري تدخلت بعض الجمعيات الخيرية مشكورة لمعالجتها من خلال إنشائها مراكز لتنفيذ أحكام الحضانة والرؤية والزيارة بعيداً عن مراكز الشرط والمحاكم من أجل الحفاظ على نفسية الأطفال وروابطهم الأسرية.
وخلال ورشة العمل المتخصصة التي نفذتها مجموعة مسارات للدراسات والتطوير الأسبوع الماضي وهي إحدى دور الخبرة بالمملكة العربية السعودية، وذلك من أجل دراسة مشروع مراكز تنفيذ أحكام الحضانة والزيارة بتكليف من وزارة العدل، تم التعرف على تجارب محلية مميزة لكل من: «جمعية مودة النسائية الخيرية بالرياض، وجمعية مودة في جدة، وجمعية أفلاذ بالأحساء» حيث تم تسليط الضوء على جهودهم المتقدمة مع محاكم التنفيذ للتسهيل عليها لتنفيذ هذه الأحكام من خلال هذه المراكز الأسرية والاجتماعية بديلاً عن تنفيذها داخل المحاكم أو مراكز الشرط، والتي أدخلت سابقاً الرعب في نفسيات الأطفال وأساءت للعلاقات الأسرية فيما بين الأطفال ووالديهم أكثر من وقع صدمة الطلاق عليهم! وبلا شك أن مجموعة مسارات ستلقي الضوء بدراستها التطويرية لبرنامج تنفيذ هذه الأحكام على الكثير من الجوانب الهامة لوجود مثل هذه المراكز من خلال الجمعيات التخصصية في المناطق البعيدة عن توفر هذه الخدمة، وستساهم أيضاً في إبرام الاتفاقيات التنظيمية ما بين الجهات المعنية بشؤون الأسرة وترابطها، من أجل استمرار هذه المراكز على مستوى من الجودة لحماية الأطفال من تعنت أحد الأبوين، لكن لا بد أن نركز أيضاً على البرامج الوقائية للحد من الطلاق، والبرامج التوعوية للاعتراف بحقوق الآخرين الشرعية وذلك للحد من «القضايا الأسرية» في المحاكم التي أغلبها بسبب التسلط الذكوري على النساء المطلقات ومطالبتهن بحقوقهن الشرعية في الحضانة والنفقة والزيارة، فما يحدث من أغلب الشكاوي لا يمت للدين الإسلامي بصلة، بل للعقلية البشرية الناقمة!