د. عيد بن مسعود الجهني
الحديث عن القوة ذو شجون يحتاج إلى مؤلفات لا إلى مساحة محدودة، هذا لأن أمن الدول يعني أحد أهم مفاهيمه (القوة)، والقوة تتجلى في هذا المضمون كحركة تاريخية عميقة الجذور، متنامية مستمرة.. ترتبط في كل الحالات بالسلم والنزاعات والصراعات والحرب على جميع المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
وعالم اليوم هو عالم القوة.. لا مكان فيه للضعيف من الدول.. القوة هي التي تحمي الديار، وكل من يعتدي على أحد حدود الدول لا تردعه إلا لغة القوة، الصديق والعدو يحترمون القوة.. فالقوة تحد القوة.
والقوة هي المقصودة بتعريف الأمن القومي بأنه القدرة على توفير أكبر قدر من الحماية والاستقرار للدولة وسيادتها وحمايتها ومواطنيها من التهديدات الداخلية والخارجية، والله سبحانه وتعالى أمرنا بالنص القطعي امتلاك القوة: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) الأنفال 60.
ولذا فإن كل دولة تسعى لبلوغ ناصية القوة من خلال بناء إستراتيجية عامة للدولة لحماية سيادتها وأمنها القومي الذي أصبح الشغل الشاغل للأمم والدول على مر العصور والأزمان.
الدول التي ملكت زمام القوة لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بالإصرار والتخطيط السليم والعمل الدؤوب والتضحيات الجسام، لبناء القوة الرادعة قوة الطائرات والأسلحة الذكية والصواريخ عابرة القارات والدبابات والراجمات والبوارج حاملة الطائرات بل والقوى النووية.
ومن مضامين القوة العسكرية في هذا الزمان، زمن القوة، الروح المعنوية لرجال القوات المسلحة وجميع أفرع القوات من حرس وطني وأمن وسلاح حدود وبحرية وجوية..الخ.
في ميدان القوة الصواريخ في ميدان القتال ومنها الصواريخ البالستية والصواريخ الموجهة سواء منها المضادة للطائرات والدبابات أو القطع البحرية، وصواريخ أرض أرض.. الخ، ومنها الصواريخ الإيرانية التي أطلقت من اليمن بأيد إيرانية وحزب الله الضالعين قانوناً في دعم الخارجين على السلطة الشرعية في اليمن من الحوثيين وعلي صالح.
تلك الصواريخ التي استهدف أحدها بيت الله الحرام مكة المكرمة قبلة المسلمين والعاصمة السعودية الرياض وتحديداً مطار الملك خالد الدولي، وتصدت القوات السعودية لهذا العدوان الإيراني وحزب الله لتسقط تلك الصاروخين والصواريخ الإيرانية الأخرى.
إسقاط تلك الصواريخ بصواريخ (الباتريوت) وإجهاض ذلك العدوان المباشر على بلاد الحرمين الشريفين معناه بمفهوم الإستراتيجية العسكرية أن بلادنا سعت حثيثاً لبلوغ ناصية القوة الرادعة في وجه إيران وأذرعها حزب الله والحوثيين وعلي صالح التي تمثل تهديداً واقعاً ليس لديارنا بل للأمن القومي العربي برمته منذ ثورة الخميني عام 1979، بل إن خطرها لا يقل عن التهديد الإسرائيلي إذا لم يكن يكبره.
المهتم (بالقوة) يدرك مساعي إيران الخبيثة في العراق وبلاد الشام ولبنان واليمن فأذرعها ممدودة في تلك الدول، وإذا كانت إسرائيل وأمريكا على سبيل المثال لا الحصر قد نفذت مناورة ضخمة عام 2010 في الدولة العبرية والهدف المعلن كان رسالة موجهة للتسليح الإيراني الصاروخي والنووي، فإن أمريكا في عهد السيد أوباما هي التي سوقت إعلان الملف النووي بإتقان (ناقص) في علم الإستراتيجية العسكرية والنووية، وهذا ما دفع السيد ترامب إلى إعلانه الصريح بعدم اعترافه بذلك الإتفاق النووي.
اليوم إذا كانت هناك حرب ستشتعل في أي بقعة من الكرة الأرضية فإن الصواريخ البالستية سيكون لها القدح المعلى في تلك الحرب، فمسرح العمليات يشمل كل أراضي الدول المتحاربة والمتحالفة بالإضافة إلى المناطق الجوية والبحرية والبرية.
ولذا فإن الصواريخ الحديثة المتطورة والتي قد تكون حاملة لرؤوس نووية ستكون مدمرة بل وتنهي الحرب من بعيد، وتبقى مهمة القوات البرية المدعومة بتنفيذ الهجوم الذي قد يحسم المعركة بضرب التجمعات المعادية بعد انتهاء الضربة الصاروخية وتنفيذ القوات الجوية المتطورة مهامها، وقد شاهد العالم عام 2003 كيف استطاعت الولايات المتحدة وبريطانيا حسم معركة بلاد الرافدين بالصواريخ أولاً (تايماهوك) غير النووية لتبقى مهمات القوات البرية والجوية سهلة لاحتلال العراق خلال أيام قلائل.
السؤال الذي يطرح نفسه ما مدى (قوة) طهران الصاروخية على فعل ما قامت به مثلاً صواريخ أمريكا تحديداً.. والإجابة بشكل موجز أن الإيرانيين منذ سنوات عدة بذلوا جهوداً حثيثة لتطوير قواتهم بشكل عام والصواريخ بشكل خاص، هذا لأن إيران تعتبر أن قوتها الصاروخية العمود الفقري لقواتها حيث تضم مخزوناً من تلك الصواريخ التقليدية، منها ما يعمل بالوقود السائل كصواريخ (شهاب 1) وأخرى تعمل بالوقود الصلب (كسجيل 2) الذي يتجاوز مداه ألفي كيلو متر، وصاروخ (بركان اتش 2) ومداه (1400) كيلو متر الذي أطلق باتجاه مطار الملك خالد الدولي وأسقطته المضادات الأرضية السعودية.
إيران تدعي أن صواريخها حدد سقفها بألفي كيلو متر وبذا فإنها قادرة على ضرب إسرائيل، وهذا ادعاء يتجاوز الحقيقة، فالدولة العبرية وإيران بينهما علاقات سرية بل ومعلنة، وكل ادعاءات إيران السابقة لحربها ضد العراق بأنها ستحرر القدس حال انتصارها على العراق فقد أكد التاريخ العسكري أن الفرس بعدما أقدمت لهم «ماما» أمريكا بلاد الرافدين على طبق من ذهب تبخرت كل ادعاءاتهم بدعم أهل فلسطين وتحرير القدس.
اليوم إيران تتمدد في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وحزب الله في لبنان مدته إيران بالآلاف من الصواريخ محدودة وقصيرة المدى استعملها ضد الشعب السوري، فتعاونت إيران وروسيا في هذا الحزب على ارتكاب جرائم الإبادة والتشريد لشعب الشام، وفي اليمن تلعب إيران دوراً خبيثاً تدعم الحوثيين وعلي صالح ضد الحكومة الشرعية، وتطلق الصواريخ على بلاد الحرمين الشريفين، لتعلن حربها ضد بلادنا جهاراً نهاراً. وبعد إسقاط كل صواريخها، أدركت إيران أن المملكة تملك القوة التي تحد من استخدام القوة المضادة، فلا يفل الحديد إلا الحديد.
القوة السعودية ستتصدى للمكر الإيراني وأسلحته المتطورة منها والتقليدية، وعلى إيران أن تقرأ المتغيرات والتطورات الدولية المتسارعة الإقليمية منها والعربية والدولية في ميدان القوة، وأن تفهم ثانياً أن المملكة شيدت بنية إستراتيجية تسليحية تحفظ أمنها واستقرارها بل وأمن دول مجلس التعاون الخليجي، والأمتين العربية والإسلامية.
طهران يجب أن تفهم الدرس بعد إسقاط كل صواريخها، أن بلاد الحرمين تطورت كثيراً في ميدان القوة العسكرية، تملك تلك القوة ناهيك القوة الاقتصادية وقوة علاقاتها الدولية، وهذا يؤكد أن القوة في الألفية الثالثة لا تكمن فقط في المكانة الاقتصادية والقوة العسكرية التقليدية، ولكن في المعرفة Knowledge، فالقوة العسكرية ترتبط بشكل وثيق بالقدرة التكنولوجية التي أصبحت أهم المعايير التي تقاس بها (القوة)، وهذا تملكه بلادنا.
وإذا كان تمدد إيران في الدول الأربع واحتلالها للجزر الإماراتية الثلاث تعتبره إنجازاً، فإن الضالعين في ميدان الإستراتيجية العسكرية والاقتصادية والعلاقات الدولية يدركون أن هذا يتجاوز إمكانية إيران العسكرية والاقتصادية والبشرية، فهذا البلد يعيش أزمات سياسية داخلية عدة ومحاط بمعارضة نشطة ويعيش نسبة كبيرة من شعب إيران فقراً مدقعاً.
ومع مرور الزمن وتشديد العقوبات الاقتصادية على أصحاب ولاية الفقيه ستتعرض دولة الفرس لفلس اقتصادي لا تستطيع معه مجارات دفع مليارات الدولارات لتأكيد نفوذها بتلك الدول الأربع ليطلع فجر انتحارها ليصبح أفدح في عواقبه من انهيار إمبراطوريات كالاتحاد السوفييتي السابق وقبله بريطانيا العظمى وغيرها من الإمبراطوريات التي تخطاها التاريخ.
ويبقى القول إن الفرس الذين كذبوا كذبة مضمونها تحرير القدس ها هم اليوم يوجهون صواريخهم إلى مكة المكرمة قبلة المسلمين ومهبط الوحي، أمام أعين (1.8) مليار مسلم.
بلادنا قوة وستبقى بإذن الله صامدة كالجبال الراسيات تحمي الديار المقدسة التي وعدها الله بالحماية، إنها تدرك أن القوة شرط ضروري من شروط الوجود، وعنصر أساسي لتحقيق أهدافها وتحافظ على نفسها وشعبها وسيادتها.
إنها تملك كل مقومات القوة البرية والبحرية والجوية، وكمَثل حي (300) طائرة من الطراز اف 15) لوحدها، فما بالك عن أفرع القوات السعودية الرادعة الأخرى.
إنها القوة السعودية المعتمدة على العلم والتقدم العلمي والتطور العسكري.
أصبحت بلادنا دولة القوة.. وعلى الفرس فهم هذا.