د.عبدالإله ساعاتي
منذ صدور أول خطة تنمية خمسية في المملكة في عام 1970م، الموافق 1390هـ، وحتى آخر خطة خمسية -خطة التنمية العاشرة التي نعيش معطياتها حالياً- ظل هدف (تنويع مصادر الدخل الوطني وعدم الاعتماد على النفط كمصدر أساسي وحيد للدخل الوطني) من الأهداف الرئيسية التي تصدرت هذه الخطط التنموية العشرة.
ولكن ورغم انقضاء هذه الخطط العشرة ومعها انقضاء نحو نصف قرن من عمر الزمن.. ما زلنا بعيدين عن تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي المهم.. وما زال النفط يشكل نحو 90 في المائة من دخلنا الوطني.. وهو ما يشير إلى فشل الخطط التنموية الخمسية في تحقيق هذا الهدف الحيوي.
ولكن المؤكد هو أن الاستمرار في الاعتماد على النفط كمصدر أساس للدخل.. أمر يشكل خطرًا على البلاد.. حيث تظل حبيسة تقلباته المعيارية.. فلقد هبط سعر برميل النفط من (150) إلى (30) دولارًا.. ثم ارتفع قليلاً.. وهكذا.
وفي وقت بدأت فيه بدائل الطاقة تأخذ مساحة غير مسبوقة في اقتصاديات الدول.. وتشير دراسات إلى مراوحة أسعار النفط في مدارها الحالي واستبعاد عودتها إلى سابق عهدها.. وفي ظل متغيرات عالمية وتحديات محلية ومتطلبات تنموية مستجدة وعقب جمود استمر طويلاً، معتمداً على أسعار نفط عالية.. كان لا بد من تحولات اقتصادية وطنية تمكن من التصدي لهذه المتغيرات العالمية ومواجهة التحديات التي تزداد يوماً بعد آخر.
ليس النفط وحده ما يدفعنا إلى التحول بل هناك جوانب عديدة وحيوية تقتضي التحول نحو آفاق تواكب متطلبات التنمية وفق رؤية مستقبلية مدروسة للاقتصاد والتعليم والصحة والإسكان والقضايا المجتمعية الأخرى.
ولقد سعدنا كثيراً برؤية المملكة 2030 وبرامجها التي يقودها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.. حيث أصبحت لدينا رؤية شمولية للمستقبل نسير نحوها وبها لمستقبل مشرق -بمشيئة الله تعالى-.
وتجسد هذه الرؤية يقظة الدولة وعمق وعيها للمخاطر المستقبلية.. وعدم استكانتها وانتظار مداهمة المخاطر.. وحينها يكون الضرر كبيراً والقدرة على التصدي ضعيفة وصعبة.
فالدولة -أيدها الله- من خلال هذه الرؤية لم تكتفِ بالتزام موقف (رد الفعل).. بل بادرت إلى (صنع الفعل) ومواجهة المستقبل بتخطيط علمي شمولي مدروس.
بل إن رؤية المملكة 2030 هي مشروع حضاري تنموي تنويري لحياة مستقبلية جديدة للمجتمع السعودي.. تأسست على الموضوعية والشفافية وقامت على مبادئ الحوكمة والتقنين والشفافية.. تمتد لتشمل مناحي الحياة كافة للإنسان السعودي من جودة التعليم.. إلى جودة الحياة.. ومن اقتصاد قوي إلى مجتمع مزدهر يواكب السياق العالمي ويتفاعل مع تفاعلاته ومتطلباته.
ومجلس الشورى (السلطة التشريعية الرقابية) في البلاد.. يضطلع بدور محوري في دعم مسيرة التنمية الحضارية لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030.
فالمجلس الذي يضم كفاءات وطنية عالية في تأهيلها العلمي ورصيد خبراتها العملية الثرية.. مؤهل لبلورة دور فاعل لتحقيق أهداف الرؤية وبرامجها.
(150) عضو «تكنوقراط» مؤهلين بتأهيل علمي عالٍ في مختلف التخصصات العلمية من جامعات عالمية مرموقة، إضافة إلى رصيد واسع من الخبرة العملية الثرية يشكلون بناءً عالياً وبيت خبرة متمكناً لدور فاعل ومؤثر.
وتماشياً مع رؤية المملكة 2030 قام المجلس -كما أوضح معالي رئيسه الشيخ الدكتور عبدالله آل الشيخ بتعديل وتحديث لجانه المتخصصة واختصاصاتها الموضوعية لتكون متوافقة مع هذه الرؤية الطموحة.. خاصة عقب إعادة هيكلة بعض الوزارات والمؤسسات والهيئات العامة.
فمن أبرز عناوين رؤية 2030 الاضطلاع بدور رقابي فعال لمؤسسات الدولة كمحور أساسي للنهوض بمتطلبات الرؤية وتحقيق أهدافها.. وهذا من مهام مجلس الشورى الذي ينهض بدور رقابي مهم من خلال دراسة التقارير السنوية لمؤسسات الدولة ويخضعها للنقد والتمحيص بمساحة واسعة من حرية الرأي وحدة النقد.. وذلك من خلال لجان متخصصة يتم تشكيلها سنوياً.
ومن أهداف رؤية المملكة 2030 تحسين مستوى أداء القطاع العام ورفع كفاءة الإنفاق من أجل رفع جودة الأداء.. وينهض مجلس الشورى من خلال خبرات أعضائه المتخصصين بوضع التوصيات اللازمة لتحقيق هذا الهدف لكل مؤسسة من مؤسسات القطاع العام.
ويقوم المجلس بإنجاز مشروعات الأنظمة واللوائح والاتفاقيات والتقارير التي تسهم في مسيرة التنمية الوطنية.
وللمجلس دور مهم في دعم علاقات المملكة الدولية مع مختلف دول العالم من خلال لجان الصداقة البرلمانية التي تتشكل في المجلس، والتي تتبادل التواصل والزيارات مع برلمانات دول العالم المختلفة والاتحادات والمنتديات البرلمانية الإقليمية والدولية.. وتسهم في إيضاح مواقف المملكة ورؤيتها.. وتعزيز مكانتها الدولية وثقلها العالمي.. ولقد حقق المجلس نجاحات كبيرة في هذا الصدد.
وأخيراً.. أقول إن حقيقة الأمر هي أن مجلس الشورى من خلال مسيرته المتجددة ينهض بدور كبير في تحقيق أهداف رؤية المملكة.. وإن لم تظهر بعض جوانب هذا الدور للعامة.. إلا أنه يظل دوراً ناهضاً فاعلاً مستمداً من الدعم والاهتمام الذي يحظى به المجلس من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله-.