د. خيرية السقاف
حتى والغيث يهمي..
حتى والشمس تسرق النظر إلى الأرض من بين الغيوم..
حتى والهواء رطبا نديا يشق الوابل..
حتى والزهور تتباهى بأثوابها المبللة كالأطفال..
حتى ورغيف الصباح ساخنٌ من الفرن يكاد ينطق في حضور المطر..
حتى والهواة من الناس تجمع القطرات في كفوفها, تتراشق بالماء في دعابات براءة الصغار..
حتى وللضحكة وقعها, وللموسيقى حديثها, وللعصفور نداؤه, وللصوت مداه, وللمناخ جماله, وللفضاء تفاصيله الخلابة..
حتى هذه البهجة الخفية التي بها تمسح الزخات عن النفوس كلاحة, تستبدلها بإشراقة نعيم..
فإن الناس لا تلتفت للأشياء الصغيرة الكبيرة, الظاهرة الخفية, الواضحة العميقة, في حضرة الغيث!!..
أراها تأخذ بموضوع وتوغر في سراديبه, وتثير فكرة وتعلك في تفاصيلها, وتسمع خبرًا وتطير به كالريح, وتجد ركاما فتنبش فيه بكامل قواها..
الغيم وهو يزخ, يهمي, يدر, يساقط, يندلق بوابله, يسيل بفيضه, يسقي بأكثر من العطش, يروي بأبعد من الجفاف, يبتسم بأوسع من الشفتين, يضحك بأعلى من القهقهة , ينسرب للأعماق مؤونة, يستقر في الجوف مطلبا,
لا يُبحرون كلهم في رويِّه, وابتسامته, وضحكته, ومؤونته, ورفده..
يرونه المهلك المغرق, المخيف المقلق..
ذلك لأن هناك من هؤلاء الناس من نصب للمطر كمائنه, وأوصد لمساربه مساماتها, وقال للبحر: تقدم.. مدَّ وهيمن, افترش موقع الخطوات, ومأوى الأجساد, وطريق الاتجاه..
إذ قال له, للذي جُعل كلُّ شيء به حيا, كن رسولا للموت..
ثم ذهب ونام في مضجعه حتى أنهضته العصا..
ورفعت له عقيرة الميزان!!..
***
إن الإنسان وحده من يغير في الإنسان فطرتَه..!!