د.علي القرني
الصورة التي نراها في وسائل الإعلام، كيف نراها؟
دراسات ونظريات كثيرة تصدت لهذا السؤال، وسبرت أبعادًا عديدة حول هذا الموضوع.. والجواب الثابت أننا في أكثر الأحوال نراها كما يريدها الإعلام، وهذا هو النجاح الحقيقي لوسائل الإعلام.. ولكن تختلف وسيلة عن وسيلة، وثقافة إعلامية عن ثقافة أخرى، ونظام إعلامي عن نظام إعلامي آخر.. وفي الدول النامية ومنها الدول العربية تختلف فيها وسائل الإعلام عن نظيراتها في الدول المتقدمة..
الصورة التي نراها في الإعلام هي صورة مصنوعة بهدف التأثير على الناس والجمهور، ومن أجل أن ترسم حجم تأثيرها على معارف واتجاهات وسلوكيات المتلقي الإعلامي، وهذا هدف يتعدى حدود الوقت والمكان، فهو ثابت في كل وسائل الإعلام على مر الأزمنة وعبر كافة الحدود الجغرافية. وهذه الصورة هي التي تربطنا نحن المتلقين بالواقع المحيط سواء كان قريبا منا أو بعيدا عنا، أو حتى في كوكب المريخ وزحل.
وعمليات بناء الصورة التي تظهر في وسائل الإعلام هي عمليات معقدة جدا، وتمر فلاتر عديدة، ابتداء من أصحاب القوة والنفوذ في المجتمع، مرورا ببوابات عبور وفحص وتفتيش واجازة لها داخل المؤسسة الإعلامية، فهي الجهة المخولة بتمرير هذه الصورة وإعطائها الفسح النهائي إلى المتلقي سواء كان مشاهدا أو مستمعا أو قارئا. ونحن هنا لا نقصد بالصورة أن تكون صورة فوتوغرافية، ولكننا نقصد كلمة وصورة ومشهد ورأي ومعلومة، أي كل ما تجسده وسائل الإعلام من مضمون بصري وسمعي ومقروء.
وإذا سبق أن قال جاك دوريدا الفيلسوف الفرنسي ونادى بنظرية موت المؤلف، فهنا أيضا في وسائل الإعلام هناك موت مؤلف، أو موت الإعلام بعد إرسال أو بث الرسالة الإعلامية، وبعدها يصبح المتلقى هو الذي يقوم بتفسير الرسالة الإعلامية كما ينبغي، وكما يريد، وكما يراه. وقوة وسائل الإعلام هي حقن المشهد الإعلامي في أذن وسمع وعقل المتلقي إلى درجة تمنعه من الحكم الموضوعي على المضمون، ويصبح هو رهينا في فلك الإعلام. وتتفاوت درجة تبعية المتلقي لوسائل الإعلام بحكم ظروف مختلفة نفسية واجتماعية وتعليمية، إلا أن الثابت فعلا هو هناك تبعية عالية لوسائل الإعلام من قبل المتلقي أو الجمهور. وربما أن وسائل الإعلام الجديد خففت من حدة هذه التبعية بإعطاء الملتقي خيارات عديدة قد تتباين مع وسائل الإعلام الكبرى في المجتمع وأقصد بها تحديدا وسائل الإعلام التقليدية.
وإذا عدنا إلى موضوع الصورة التي نراها في الإعلام، فإننا كمتلقين قد يكون مغلوب على أمرنا ألا نفحص وندقق في تلك الصورة كثيرا، وينبغي تقبلها كما هي، وهنا أشير إلى مختلف وسائل الإعلام الدولية والوطنية في الدول، وهذا مبتغى تلك الوسائل، ولكن دخول شبكات التواصل الاجتماعي بشكل خاص ضمن منظومة الإعلام الجديد عقدت من نجاح وسائل الإعلام في هدفها الواضح، وأصبحت تلك الوسائل التقليدية تعمد إلى رجع صدى جديد يضخ من جديد في بناء الصورة الأولى التي تصلنا أول مرة، وتحاول وسائل الإعلام أن تعيد الكرة من جديد في تقديم نفس الصورة ولكن بتلوينات جديدة، وبمعلومات مستحدثة، وبرؤى إضافية لتعيد إعادة تصدير المشهد من جديد.
ومن هنا، فإن المتلقي من جمهور وسائل الإعلام يواجه الكثير من الضبابية في المشهد الإعلامي، وينتابه أحيانا التشكيك في مصداقية الصورة التي أمامه، هل هي حقيقة أم أن المشهد هو غير ذلك، وهذا ما يجعل الكثير من النظريات الإعلامية تدخل بقوة في تفسير الصورة وقراءتها وتحليلها من قبل جمهور وسائل الإعلام.