عبدالعزيز السماري
عادة ما تنعقد اجتماعات العرب في أوقات أزماتهم السياسية، وهو موقف فطري لأمة مترابطة بالتاريخ والمصير المشترك، لكنهم نادراً ما يجتمعون لإصلاح واقعهم الثقافي المنقسم، والذي لازال يئن تحت الجهل والتخلف والانقسام، وقد ساهم الإعلام في فضح الصورة الكبرى للواقع العربي.
في كثير من الأحيان تعبر الصورة أكثر من الكلمات، ويظهر ذلك عند ظهور أشكال خارجة عن المألوف العربي المعاصر مثل زعماء التطرف الديني في القاعدة وما شابها من مسميات، أو عند متابعة زعيم حزب الله حسن نصر الله عندما يخرج يتحدث بلهجة لبنانية وبهيئة من ماضي الانتقام والأحقاد في فصول التاريخ العربي.
والعكس تماماً أيضاً يحدث، وذلك حين يخرج أحدهم في هيئة عصرية جداً، ولكن بصفة زعيم الطائفة في أحد الأقطار العربية، وهو مشهد يحاكي أقسى فصول التشرذم والفساد في العقل العربي، وأعترف أنها مرحلة ربما لابد من المرور منها من أجل الوصول إلى عصر أقل تناقضاً وبؤساً في الواقع العربي.
لابد من الإشارة إلى أنّ الخطاب الطائفي حالة مرضية نفسية، ويمثل إحدى صور البارانويا، وهي حالة ارتياب وشك تؤدي إلى عدم الشعور بالأمان والثقة بين فئات العرب، وأعني أنّ هناك شعوراً عميقاً ودفيناً في العقل الطائفي يحرض على الشك المرضي وعدم الثقة بالطوائف الأخرى، ولهذا دوماً ما تنتشر ثقافة الخيانات حين يرتفع ترمومتر الطائفية بين العرب .
كنت أنتظر أن يجتمع وزراء الثقافة العرب من أجل وضع أسس متفق عليها في الخطاب العربي الموجّه للإنسان في هذا الجزء من العالم، وأن يكون لهم دور مؤثر في إيقاف تصدير الخطاب الطائفي سياسياً وإعلامياً، والاتفاق على أن يكون البديل خطاباً عربياً متزناً وينبذ العنصرية والعرقية والطائفية بلغة بيضاء وخالية من الكراهية، ولا تفرق بين الناس على أسس ضيقة كما يحدث الآن .
الشعوب نتاج لزعمائهم، والعوام يظهرون حماساً وإثارة عند سماعهم للخطب الرنانة التي تجيش المشاعر والمواقف الأحادية، ومن أجل فهم هذه المعادلة أعيدوا شريط التاريخ الحديث للعراق، فقد حارب الشعب العربي العراقي بمختلف طوائفه ضد ثورة الخميني لمدة ثماني سنوات، ثم تحولت بعض فئاته بعد تغيير وجوه الزعامة في العراق إلى جيش شعبي طائفي يحارب من أجل إيران ومصالحها.
وحدث مثل ذلك في بقية دول العالم، ولعل المثال الأشهر ما جرى في ألمانيا قبل وأثناء وبعد أدولف هتلر، فقد تنقل الشعب الألماني حسب الخطاب السياسي المعلن في وسائل الإعلام من أقصى درجات اليمين إلى زوايا اليسار، ولهذا امتنعت دول العالم الغربي عن السماح لزعماء التطرف من التأثير على الشارع، وشجعت الثقافة والحريات العامة تحت مظلة القانون.
لازلت من المؤيدين لتطوير الخطاب العربي الثقافي في مواجهة الانقسام على أسس طائفية وعرقية، فنحن شئنا أم أبينا أمة تتكلم وتفكر وتعبر من خلال وعاء ثقافي موحد، ولابد من تهذيب هذا الخطاب في مواجهة التدخلات الثقافية للدول الأخرى.
لازال هناك من يتوجس من جدلية الخطاب الثقافي، وذلك عندما يتداخل السياسي في ثنايا هذا الخطاب، وهو خوف غير مبرر، فالسياسي جزء من الخطاب الثقافي، ومن يثق في أدائه السياسي لا يخاف من الآخرين، فالشفافية ومحاربة الفساد وشروط العدالة كفيلة بمد الجسور بين السياسي والثقافي ..
المخاوف الحقيقية تأتي من الخطاب الطائفي والمؤدلج بمصالح غير ظاهرة للناس، ولهذا تقع مسؤولية كبرى على وزراء الثقافة في الدول العربية، والحل يكون بمنع القنوات الإعلامية التي تحرض على نشر الطائفية من مختلف الدول، وتشجيع البرامج والقنوات التي تنشر ثقافة التسامح بين الشعوب.
ويجب أن لا يعني هذا أنّ الخطاب الأبيض والخالي من الطائفية يعني التنازل عن المبادئ العربية الكبرى، فالموقف الفطري سيكون موحداً ضد التدخلات الخارجية من مختلف الدول سواء كان ذلك من إيران أو إسرائيل، وأي مهادنة لأي طرف سترفع من أصوات النشاز الطائفي في المنطقة، وبالتالي تعود حالة الفشل ويدخل الأعداء تباعاً من الأبواب الخلفية.