د. فوزية البكر
نظام الجامعات الجديد والذي وإن لم يلتفت إليه إلا مجموعة ضئيلة من المشتغلين فيه أصلاً، إلا أن أهميته كبيرة جداً، حيث تخص أبناء الوطن وأهاليهم ممن يمثلون قوى الضغط الاجتماعي المطالبة بفرص التعليم الجامعي لأبنائهم من خريجي الثانويات العامة والذين تجاوزوا هذا العام ثلاثة مائة ألف، في حين أن المقاعد المتاحة حالياً في الجامعات السعودية لم تتجاوز المائة والتسعين ألفاً وستتناقص تدريجياً، لكن بالطبع هناك مقاعد إضافية عبر كافة المؤسسات التدريبية والمهنية والعسكرية ما دون الجامعة.
النظام الجديد يشير في مسودته المنشورة إلى أهمية تشكيل ما يسمى مجلس شؤون الجامعات ويتكون أعضاؤه من وزراء التعليم والمالية والخدمة المدنية والاقتصاد والتخطيط وهيئة التقويم العام الخ، وهكذا بدلا من أن تناضل الجامعات مع وزارة واحدة سابقا وهي التعليم العالي ثم الآن مع وزارة التعليم، ستبدأ في النضال لإقناع كافة قطاعات الدولة، (الذين يتوقف انضمامهم لهذا المجلس على ترشيح وموافقة وزير التعليم!).
البيروقراطية لن تقف عند هذا الحد إذ تنص المادة الثالثة عشرة من النظام على أن مجالس الأمناء المقترحة في النظام لكل جامعة لا بد أن تعين بقرار من مجلس الوزراء، مما يعني دورة بيروقراطية كاملة ربما تنتظر خلالها كل جامعة شهوراً إن لم تكن سنوات على تعيين مجالس أمنائها أو أحد أفراد هذه المجالس في حالة اعتذار أحدهم أو انتهت مدة ترشحه إلخ؟
- لم يتضح في فقرات النظام الجديد ولا مفردات مواده أي ملمح إلى تمكين المرأة في أي مجلس، خاصة وحضور المرأة الأكاديمية ضعيف جداً في الوقت الحاضر في كافة المجالس بكل مستوياتها وفي كافة الجامعات السعودية، بما لا يتفق مع رؤية المملكة 2030 التي تضمنت أهدافاً استراتيجية وتنموية واقتصادية تؤكد على تمكين المرأة السعودية لبلوغ أهدافها، ولذا لعلي هنا أقترح نظام (الكوتة) أي وضع نسب تمكين مئوية تفرض على المجالس واللجان على كل مستويات تضمن مشاركة المرأة في كل مكان في الجامعات السعودية حتى تصبح تدريجياً جزءاً من آلية العمل في هذه الجامعات.
- من أكثر المواد التي سبّبت قلقاً وعسر هضم وقلة نوم وقلقاً بين مئات الآلاف من أعضاء هيئات التدريس في الجامعات السعودية والبالغ عددهم 76289 والذين يقترح النظام تحويلهم من موظفي حكومة كما هم الآن إلى (نظام العقود السنوية) والسؤال: لماذا أعضاء هيئات التدريس تحديداً؟ ماذا أيضاً عن مئات الآلاف من الإداريين والتشغيليين العاملين في الجامعات؟ هل سيتحولون إلى نظام العقود السنوية؟ أم أن ذلك سيتم تأجيله حتى يتم فهم كافة التعقيدات النظامية المرتبطة بكل هذه الآلاف؟ كذلك يدعو الحديث عن الخصخصة للقطاع التعليم الجامعي الوارد في النظام إلى التفكر، إذ لا يبدو الأمر واضحاً فهل يعني ذلك أن الطلاب الجامعيين سيكون عليهم دفع بعض أو كل نفقاتهم، أم أن المقصود فقط برامج الدراسات العليا؟ وهل ما سيدفعه المواطن جزء أم كل بالنسبة لما سيدفعه الطلاب الأجانب إذا فتحت الجامعات أبوابها سعياً لتعزيز مواردها المالية كما يحدث في كل جامعات العالم؟ خاصة أن المادة الثانية والستين تنص على جواز إنشاء جامعات أو كليات أهلية أو فروع لجامعات عالمية مما يعني مزيداً من المقاعد المتاحة داخلياً وتنافساً أقوى وربما جودة أعلى لدى جامعاتنا المحلية.
في ذات الوقت لم يشر النظام إلى أي شيء بخصوص مكافآت الطلبة. هل لا زلنا نحتاجها؟ وجدت المكآفات في فترة التأسيس للجامعات الحكومية ولتشجيع الشباب على إكمال تعليمهم. اليوم لا نحتاج إلى هذه المنافسة فهناك (قتال) على كل مقعد متوفر فما الجدوى من استمرارها؟
يحمل النظام الكثير من الأمور المشجعة التي ستجبر الجامعات على إيجاد موارد مالية ذاتية مثل المادة الثامنة والخمسين التي تنص على إنشاء شركات استثمارية تدعم بقاء الجامعات وتساهم في الصرف عليها، وهذا تطور ايجابي يمنح الجامعات بعض الاستقلال في التصرف في أموالها كما يمكنها من استثمار أموالها للتنمية المستدامة لهذه الموارد، لكن لا بد من ضبط ذلك بمواد قانونية منعاً لتفشي الفساد، أيضاً شجعت المادة السابعة والخمسون على إيجاد برنامج للأوقاف للصرف منه كما يقره مجلس الأمناء (وهو الأمر الذي بدأته جامعة الملك سعود منذ سنوات عديدة)، لكن التشجيع لذلك خاصة في الجامعات الناشئة يعد تطوراً ايجابياً كبيراً سيضمن للجامعات مصادر ثابتة لتنمية مواردها المالية، بعيدا عن الاعتماد على المعونات الحكومية، كما سيساعد على تنمية التغيير الثقافي في فكرة الأوقاف لتتجه للمشاريع التنموية بدلا من المؤقتة أو الدينية فقط.