د. جاسر الحربش
المسلمون وكل العرب وأولهم السعوديون يعلمون عن ثقة وخبرة تاريخية أن المملكة العربية السعودية لن تتنازل عن الحق الديني والوطني والتاريخي في فلسطين. الكيان الصهيوني المحتل يعرف ذلك أيضاً، ورغم ذلك ينشر شباكه للاصطياد في مياه الاضطرابات الشاملة في المنطقة لمحاولة الإيحاء بتفاهمات إقليمية اقتصادية وسياسية جديدة.
مع بوادر انتصار الشراكة الأمريكية الروسية في الشمال العربي واقتسام النفوذ مع إيران زاد الإعلام الإسرائيلي من وتيرة التبشير بعصر شراكة وصداقة جديد مع العالم العربي وخصوصاً العربي الخليجي. يقول نتنياهو أوضح نموذج للعنصرية الدينية والعرقية عبر التاريخ البشري أن العرب أصبحوا الآن أكثر واقعية واعترافاً بأن الخطر عليهم لم يكن من إسرائيل وإنما من إيران. نتنياهو يعرف أنه يكذب ويعلم يقيناً أن العرب يرفضون الكيان الصهيوني المحتل كحالة مبدئية ويرفضون النظام الإيراني كحالة مؤقتة، ولكنهم يضعونهما في نفس الكفة من حيث العنصرية والأهداف. الفرق هو أن إيران الجارة الأبدية تعود جارة وصديقة بمجرد تخلصها من حكومتها التوسعية الحالية والانكفاء إلى داخل حدودها التاريخية. كلاهما العقلية الصهيونية والفارسية تعرفان أنهما أقرب عاطفياً ومنهجياً وتاريخياً لبعضهما في الأحقاد والأطماع ضد العرب كلهم، أدياناً ومذاهب وجغرافياً وحضارة.
لا يمر يوم إلا وتهدم البيوت ويقتل الأطفال ويقتاد المحتجون الحقوقيون إلى السجون في إسرائيل وإيران، بنفس التبريرات ولنفس الأهداف التي تدمر فيها البيوت ويقتل الأبرياء في العراق وسوريا واليمن من قبل ميليشيات إيران وحشودها وأحزابها المذهبية، ولكن الموقف العربي من الكيان الصهيوني الطارئ هو من نوع الثابت الذي لا يتغير بتغير الحكومات، والموقف من إيران متحول يتغير بسقوط الحكومة الإيرانية الحالية واستبدالها بحكومة صديقة للعرب.
كانت آخر نغمة خرجت من الإعلام الصهيوني والإعلام الإيراني في نفس الوقت عن المشروع العربي السعودي «نيوم» وللأسف أيضاً من الإعلام القطري. كل الأطراف الثلاثة زعمت أن المشروع يمهد لشراكة اقتصادية وتطبيع ثقافي وسياسي بين الصهاينة والسعودية، وأن مسؤولاً خليجياً رفيع المستوى زار إسرائيل ثم زعموا أن هذا المسؤول الكبير سعودي. الحكومة السعودية ردت فوراً ورسمياً مؤكدة أن الخبر كاذب جملة وتفصيلاً.
الشعب السعودي متفائل ومستبشر بخطوات التجديد الحضاري والاقتصادي المتتالية التي نموذجها مشروع نيوم، لإدراكه أن الشراكة هذه سعودية عربية إسلامية فقط ولا مكان فيها للقتلة والمحتلين من أي نوع.