م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. في القرن السادس عشر والثلاثة قرون التي تلته تحكّمت الرقابة في مجال طباعة الكتب في أوروبا.. وكان من مسببات منع طباعة الكتب آنذاك أنّ الرقيب كان يراها: إما عديمة النفع، أو تمس الدين ورجاله، تدعو إلى الهرطقة، تؤدي إلى الفُرْقة، تؤيد أفكاراً مدانة، تروّج للخرافات، تشجع على أعمال إباحية، تحتوي على هجاء، تدعم سياسة مناهضة، تتعلق بالسحر أو أنها كتب وافدة من دول كافرة، أو مؤلفة من كُتَّاب غير كاثوليك!.
2. أثرت الرقابة في دول العالم بعمق في ثقافة الناس العامة حيث وجهت العقيدة المجتمعية.. وتحكمت في التنظيم التربوي.. وبالغت في إبراز قيمة الرقابة وأهميتها حتى آمن الجميع بخطورة التهاون فيها على السِّلْم المجتمعي.
3. خلقت الرقابة على الكتب في العالم سوقاً سوداء للكتب والمطبوعات موازية وبذات الحجم تقريباً للسوق الرسمية.. حتى إنه في النصف الثاني من القرن الثامن عشر كان كل كتاب يُطبع في فرنسا بتصريح يُطبع مقابله كتاب فرنسي آخر لكن خارج فرنسا.. فازدهرت سوق تهريب الكتب وبالذات الصادرة من شركة (نيوشاتل للطباعة) وهي أحد المراكز الأساسية لطباعة الكتب المحظورة في ذلك العصر.. كما ازدهرت مهنة باعة الكتب الجوالون.. بعضهم لم يكن يبيع الكتب غير المصرح بها.. أما المغامرون منهم وطالبو الثراء السريع فقد تخصصوا في الكتب الممنوعة.
4. للتخفيف من وطأة الرقابة على الكتب قامت الحكومات الأوروبية بتسهيل - وقيل تواطأت - مع الناشرين في تزوير أماكن النشر على أغلفة الكتب.. وبهذه الطريقة تكون قد أخلت نفسها من المسؤولية.. على سبيل المثال فإنّ أعمال (مكيافيلي) التي صدرت بين عامي (1584 - 1587م) تشير إلى مطبعة وهمية غير موجودة اسمها «انطونيلو دي أنطونيلي» في نابولي، بينما كانت في الحقيقة من إنتاج مطبعة (جون ولف) اللندنية.
5. مارست الرقابة على المطبوعات في العالم ضغوطاً شديدة وصلت إلى حد الخنق لكثير من الإبداعات.. فقد عُدَّ الأدب العاطفي والروايات والكتابات المسلية في مجملها من الكتابات الإباحية.. حتى إنه بين عامي (1659 - 1789م) بلغ عدد سجناء «الباستيل» من مرتكبي جرائم المطبوعات من طابعين ومؤلفين وقراء (19%) من إجمالي السجناء.. وظل هذا الوضع قائماً إلى أن أُقرت حرية النشر في أوروبا بعد صدور (إعلان حقوق الإنسان والمواطن) في باريس بتاريخ 26-08-1789م.