عبدالوهاب الفايز
تشكيل اللجنة العليا للتحقيق في الفساد بالمال العام والإخلال بالصلاحيات والمسؤوليات، يمكن أن نراه كأحد الاستثمارات الضرورية لتكريس هيبة الدولة عبر تفعيل الأنظمة وتعميق دور المؤسسات السيادية والرقابية، وهذه الخطوة التي أقدم عليها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد تجد الدعم والتأييد لأن الناس والنخب السياسية والاقتصادية والثقافية رأت أنها أحد المحصنات للجبهة الداخلية، وهذا هو الذي يهمنا.. فتحصين بلادنا بالأنظمة التي تحارب الفساد وتعزز النزاهة، وتضع حماية المال العام وحماية مصالح الدولة العليا في قائمة أولويات المحرمات الوطنية.
وهذه الخطوة الكبيرة، الغريب إنها لم تعجب بعض الدوائر الإعلامية والسياسية الغربية، وهذا شكل تعودنا عليه في ازدواج المعايير والنفاق السياسي الغربي، والصورة المتجددة منه رأيناها في بعض التفسيرات التي ذهبت إلى افتراض سيناريوهات مختلفة بعيدة عن الغايات الوطنية التي نعرفها لإنشاء اللجنه العليا وجهود محاربة الفساد. لو تتبعنا بعض المقالات أو التعليقات التلفزيونية العابرة فإننا نجدها من أشخاص لديهم مواقف عدائية ثابته تجاهنا، وهؤلاء كانوا في السابق يتحدثون عن فساد الحكومة ومؤسساتها، وعندما اتخذ الملك القرار التاريخي لمحاربة الفساد، نراهم الآن ينقلبون على المبادئ وعلى مواقفهم السابقة، وعموما مواقف الدول الكبرى من قضايا الإصلاح السياسي والاقتصادي عادة يشوبه الغموض والمصلحية السياسية والاقتصادية.
إنهم لا يريدون الدول القوية المحصنة داخليًا، من مصلحتهم ومن (ضرورات الهيمنة) أن تبقى الدول ضعيفة ورخوة في الداخل، ولا تملك قراراتها السيادية!
الذي يستثمر في المبادئ والقيم وتثبيت ضرورات العدالة والنزاهة والمسآلة يفترض أن يمضي بقوة وحزم، لأن المبادئ لا يساوم عليها أو يتم التراجع عنها، وهذا ما فعل الملك سلمان، يحفظه الله، فقد عزم وتوكل، والموقف الشعبي مؤيد وداعم، لأن ما يجري هو في نهاية الأمر لمصلحة النسبة الكبرى من السكان (70 % من السكان تحت سن الثلاثين عاما)، وهؤلاء من حقهم علينا أن نؤسس لهم مقومات الدولة الحيوية التي توفر سبل العيش الكريم.
الاستثمار في هيبة الأنظمة وهيبة الدولة بكل مكوناتها له آثاره ليس فقط على حفظ الأمن والاستقرار، بل لها آثارها الإيجابية الممتدة على نفقات الدولة واستثماراتها في البنية الأساسية، وهذا يتحقق عبر صور شتى. ولتقريب الصورة نأخذ مثلاً بسيطًا نعيشه كل يوم في شوارعنا. الآن وسابقا ظللنا ننفق الآلاف الملايين على وضع الأرصفة في وسط الطرق، وهذه يمكن الاستعاضة عنه بوضع خطين أصفرين مزدوجين تمنع التجاوز إلاَّ من الأماكن المحددة. وهذا نراه في العديد من الدول، فقائدو المركبات يقطعون مسافات طويلة للوصول إلى الأماكن المحددة للعبور في أوقات يخلو فيها الطريق. هكذا تكون هيبة الأنظمة ومحصلة الاستثمار فيها.. (إنتاج المواطن الصالح).
أيضا الحملة الكبرى على محاربة الفساد سوف توفر الأموال الكبيرة التي تهدر بسبب تعطيل مصالح الناس، وتأخير تنفيذ المشاريع وتنميتها، وفِي هذا مضاعفة للتكلفة المباشرة وغير المباشرة على نفقات الحكومة وعلى الناس. كذلك الاستثمار في هيبة الأنظمة والدولة سوف نلمسه في جبهة مهمة، وهي محاربة المخدرات والجريمة المنظمة وغسيل الأموال وتجارة الممنوعات، والمغشوش من البضائع والسلع التي كانت تجد الممرات والملاذات الآمنة.
أيضًا الاستثمار في هيبة الدولة سوف يوفر لنا الجهد والمال الذي يبذل لمحاربة سرقات الأراضي والاعتداء عليها تحت ذريعة الأحياء التي توسعت تطبيقاتها مما أدى إلى نمو الأحياء العشوائية، وذهاب الأراضي التي ينتظرها الناس لبناء المساكن، أو لتسهيل استثماراتهم النوعية في الصحة والتعليم والصناعة.
هيبة الدولة أيضا سوف تنعكس على إدارة المدن التي يُهدر فيها تطبيق الأنظمة البلدية، فنرى الحفريات تبقى لسنوات، وهذا مصدر مستدام لتلف سيارات الناس، وهذه تكلفة كبيرة غير منظورة، ولا تدخل في حسابات الفواتير التي يتحملها المواطن ومصدر لارتفاع تكلفة المعيشة.
وحتى الطابع البصري للمدن سوف يتحسن مع محاربة الفساد حيث سنرى عدم التأخير والإهمال لرفع نفايات البناء، وأيضًا السيارات التالفة التي تبقى سنوات بدون إزالة رغم وجود التحذير عليها!! وفِي هذا استثمار لإزالة التلوث البصري وهذا له انعكاسة على (الرضا الوطني).
ما أكثر المكاسب التي سوف نجنيها من محاربة الفساد، إنه الاستثمار الأمثل في هيبة الدولة والأنظمة.