د.فوزية أبو خالد
على صعوبة مهمة الكاتبة/بهذه الأيام ليس لأنه كما ورد في تقرير عن السعودية بعدد النييويوزويك الأسبوع الماضي «الكل يتلفت خلف كتفيه»، ولكن لأن الكتابة مسؤولية جسيمة خصوصا في اللحظات الحواسم من عمر العمران البشري بحسب ابن خلدون, فإن هناك عدة خيارات للكاتب في مجال مواضيع الكتابة هذه اللحظة بالذات بما اقتصر فيه على ذكر نوعين من حيرة الكاتب أمام تعددها متمثلة بالنقطتين التاليتين:
حيرة الكاتب ورياح التحولات
تتعدد في هذه المرحلة من التحولات المواضيع الملحة التي يجد الكاتب نفسه في حيرة أمامها وأي منها عليه أن يختار من بينها ليحاول الكتابة فيها أو عنها سواء كانت الكتابة من جنس هواجس في طقس الوطن أو أسئلة في الشغف المعرفي أو تأمل في الشريط مع استرجعات بعيدة وآنية كتنيك بعض الأفلام في تقليب أشرطة الذاكرة الشخصية والذاكرة التاريخية عالميا أو عربيا ومحليا. فهناك هاجس ضريبة الدخل الإضافية التي تقلق المواطن ولايعرف كيف يعبر عن قلقه منها، وهناك محاولة الخروج من الإقامة الطويلة داخل معطف النفط على تأرجحه فيه بين دفء ارتفاع أسعاره وبين عراء انخفاضه كما يحدث الآن والتي أيضا لا يعرف المواطن كيف يقدم عليها. فهل حقا ستغنيه عنها ارتفاع نسبة الشباب السعودي من الطبقات الرقيقة في سلك وظائف الأمن وارتفاع نسبة عمل الجامعيات في الأسواق التجارية كبائعات. هل نحن على مفرق طرق لتحول جذري من الاقتصاد الريعي والسلوك الاستهلاكي للاقتصاد التصنعي والمعرفي والسلوك الإنتاجي محسوم لصالح الثاني على حساب الأول أم هناك من مفاجآت العقبات مايجب أن نحسب حسابه ونستعد لشد الأحزمة من أجله وأجلنا. هل للحرب ولشبح الحرب رغم مايقدمه كل شباب الوطن الجسور على جبهتها من تضحيات بأرواحهم ورغم ما بوسع كل منا تقديمها من حر دمه وليس من حر ماله وحسب لو دعا داعٍ حماية التراب الذي نعشق من نهاية قريبة . هل يمكن أن نقود تحولات نبيلة لا تكرر درامات مؤلمة كانت دروسا صعبة لمن سبقونا على طريق اجتراحها ليس سهلا.
حيرة الكاتب وتلويحة التظاهرات الثقافية و»الترفيهية» نهاية العام.
وتتعدد في هذا الوقت من العام أي نهاية السنة الميلادية بين غروب الخريف وشروق الشتاء أيضا المواضيع المغرية بالكتابة .فهي فترة مشحونة بالنشاطات العلمية كالمؤتمرات والندوات بالجامعات ومراكز الرأي ومعامل البحوث والدرسات وبمعارض الكتب. وهي فترة ضاجة بالصباحات والأمسيات الشعرية والقصصية وبالحفلات الموسيقية وبعروض المسرح الراقي وبمهرجانات الأفلام وبشتى أنواع العروض من الباليه إلى السيرك. هذا بالإضافة لما ينشط من ورش عمل لعدد من مناحي التطوير الذاتي والمهني، وبما دخل معه على خط نشاط نهاية العام من عروض التصفيات التجارية من منتجات «السوفت وير» التقني إي الاستثمار العقاري. ومع أن القلة منا كانت تحفي بتتبع أي من تلك التظاهرات البصرية والسمعية والفكرية بسوى الخيال وتتبع أخبارها البعيدة، حيث كان معظم صخب تلك الأنشطة إن لم يكن كله يجري بعيدا عن المملكة دولة ومجتمعا مالم تشد بعض الفئات القادرة أو «المستقدرة بديون البطاقات الائتمانية» الرحال إليها في دبي وبيروت أو عواصم أجنبية كلندن ونيويورك الخ، فإن من صدمة التحولات أو دهشتها حسب موقفك منها أن أصبح بعض أوجه ذلك الصخب مما يمكن أن يدخله الباحثون في مجال الدراسات الاجتماعية للمجتمع السعودي كمتغير معتمد في قياس مؤشرات ودرجة ونوع التحولات التي يمر بها المجتمع.
ففي الأسبوع المنصرم وحده كان بالرياض وحدها العديد من الندوات واللقاءات الثقافية والحوارية والعروض البصرية دفعة واحدة وبينها التظاهرة السنوية الثانية العارمة والعامرة لمؤتمر أسبار المعرفي كظاهرة مستجدة في توسع نشاطها المعرفي على المجتمع. هذا عدا مما تقدمه على مدار العام وتعد له منصات (مسك) في أنشطتها المعرفية المختلفة من التشكيل للخطابة والكتابة والتقنية لهذه المرحلة النهائية للعام بما يكاد يجعل حضور هذه النشاطات لنهاية العام التي طالت المجتمع السعودي اليوم عدواها بقوة يطغي على مادونه من الأخبار بما فيها مسار الحدث السياسي الذي طالما كانت له الصدارة في منشتات الصحف الورقية وعلى المنصات الإلكترونية من منصات التواصل الاجتماعي . ومن دلائل ذلك أن تناول هذا النقطة المتعلقة بحيرة الكاتب في أي من الانشغالات النشاطية لهذه الفترة من نهاية العام يكتب قد استغرق 309 كلمة، بينما الحديث عن حيرته المتعلقة بالقلق السياسي لم يتجاوز 220 كلمة ... مع أنه قد يكون لذلك علاقة بعوامل أخرى بطبيعة الحال. غير أن أزمتي الشخصية في هذه الحيرة أن أكتب وأنا محرومة من زخمها الميداني وأتابعها بجوراحي وفكري من مكان بارد في قارة أخرى لرحلة عمل أرجو ألا تطول وإن كان الوطن فينا متواشجان كالأصل والظل والروح والجسد والحلم والواقع والقلق والأمل والحبر والأجنحة.