يوسف المحيميد
أحيانًا أفكر، لو استبسل المجتمع السعودي ضد الفساد كما فعل ضد قضايا المرأة ومصالحها، ووضع العراقيل لها، لأصبحنا من أكثر مجتمعات العالم تقدمًا وإنجازًا. فما حدث من إيقاف بعض الأشخاص المتورطين في الفساد هو نقطة في محيط؛ لأن هناك من الوكلاء ومديري العموم في الجهات الحكومية من هم متورطون في قضايا فساد، لا تستطيع «نزاهة» أن تكشفها لنقص المعلومات، وتحفَّظ هؤلاء على كثير من المعلومات والمستندات بحجة السرية، مع أن هيئة مكافحة الفساد يفترض أنها أكثر الجهات حرية في طلب أي مستندات دونما تحفُّظ أو تردد؛ فذلك ما سيجعل عملها أكثر جدية وجدوى مما هي عليه الآن، فضلاً عن رفض بعض الوزراء الرؤساء تنفيذ طلبات الهيئة بشأن التحقيق في بعض القضايا المشبوهة، والتحقيق في المخالفات.
إذا أردنا أن نقفز قفزات هائلة في التنمية، وإنجاز المشروعات الوطنية العظيمة، وتطوير خدمات القطاعات المختلفة، وتقليل معدل البطالة، علينا أن نحافظ على المال العام، وأن نقطع دابر الفساد، والرشوة، والعقود المبالَغ فيها.. وذلك لن يتحقق ما لم تمارس هيئة مكافحة الفساد أدوارها بكل حرية، وأن تمتلك الصلاحيات المخولة لها مباشرة من الملك للتحقيق في أي قضايا أو مخالفات أو حتى شبهات لدى بعض الجهات الحكومية وغير الحكومية.
وإذا أردنا تحقيق كل تلك الطموحات فلا بد من تمكين هيئة مكافحة الفساد من أداء أعمالها بكل حرية، والقيام بأدوارها دونما تعطيل، سواء من حيث بناء قاعدة معلومات وإحصاءات عن الفساد، ونشر ما تكشفه من قضايا، وإقرار التشهير كعقوبة، أو السرعة في البت في القضايا المرفوعة لدى جهات التحقيق والقضاء؛ فليس معقولاً أن تمتد التحقيقات حول قضايا جوهرية تمس المواطن لسنوات طويلة، بينما هي تحتاج إلى فترة قصيرة، قد تصل إلى أسابيع أو أشهر على الأكثر. وكذلك حق الهيئة في معرفة ما توصلت له التحقيقات في بعض القضايا، وغير ذلك من الأدوات المهمة التي تمكِّن الهيئة من ممارسة دورها الحقيقي.