محمد آل الشيخ
من يتابع ويرصد الخطاب الإعلامي الأمريكي، سيلاحظ بوضوح أن ثمة إرهاصات في منتهى الوضوح تشير إلى أن إيران، وأذرعتها في العالم العربي، هي العدو الذي جاء دور مواجهته، بعد انتهاء العالم من سحق داعش. وغني عن القول إن هناك من المبررات والحيثيات ما يجعل العالم الغربي، والأمريكيين على وجه الخصوص، يتوجهون إلى هذا الخيار.
إيران دولة (ثيوقراطية)، يتربع على عرش السلطة فيها رجل دين يعتقد أنه وسيط بين الله والإنسان على الأرض، ويعمل عن قناعة وإصرار على أن يكون (زعيم العالم الإسلامي) بقوة السلاح، أو من خلال وكلاء إرهابيين، أو بهما معا. ولأن هذه أهدافه، جعل المملكة، بلاد الحرمين الشريفين، غايته النهائية؛ ولتحقيق هذه الغاية، لديه، ولدى أركان حكمه، استعداد لأن يضحي بملايين الأفراد، وينفق آلاف الملايين، دون أن يرف له جفن، بل ويعتبره واجبًا دينيًا، يجب عليه، بحكم أنه (ممثل) الله على الأرض، أن يؤديه.
الأمريكيون حاولوا في عهد الرئيس السابق «باراك أوباما» أن يتعاملوا مع إيران من خلال (إغرائهم) بالمصالح الاقتصادية والتنموية، وأمدوا إيران بما تحتاجه من الأموال التي كانت مجمدة بحكم العقوبات لديهم، على أمل أن هذه الأموال ستقوي الجناح المعتدل، وتُقلص نفوذ المتشددين المؤدلجين، إلا أنهم اكتشفوا -متأخرين للأسف- أن هذه الجمهورية بُنيت من الأساس لتكون دولة ثيوقراطية كهنوتية، تمامًا مثل تلك الدول التي عرفها العالم إبان القرون الوسطى، وليس ثمة إمكانية لاحتوائها، إلا بمواجهتها وإسقاطها.
وليس لدي أدنى شك أن الأمريكيين تعلموا من تجاربهم التاريخية السابقة، وبالذات من تجربتي أفغانستان والعراق. في أفغانستان استطاعوا بالفعل أن يهزموا الاتحاد السوفييتي، ويستنزفوا قدراته الاقتصادية، لينتهي بالتفكك والتلاشي، لكنهم ورثوا في أفغانستان الإرهاب المتأسلم، الذي كلفهم على جميع المستويات أكثر مما كانوا يتوقعون في خططهم. وفي العراق أسقطوا دولة صدام، وعملوا على اجتثاث فكر البعث، لكنهم أحدثوا فراغا، أفرز الطائفية المذهبية، فجاء الإيرانيون فاستغلوها، ووظفوا المذهب الشيعي لابتلاع العراق، وانتهى الأمر الآن وكأن الأمريكيين قدموا العراق إلى إيران على طبق من ذهب.
الآن، وحسب ما أقرأه من الخطاب الإعلامي الأمريكي الحالي، ومواقف كثير من الدول التي ترتبط بتحالفات مع الأمريكيين، فإن إيران هي في عين العاصفة، لكن الأمريكيون تعلموا من دروسهم السابقة جيدا، ولديهم وسائل أخرى، تغنيهم عن العمل العسكري، وهي العقوبات الاقتصادية، التي تؤدي في النتيجة ما يؤديه العمل العسكري. صحيح أن العقوبات الاقتصادية تحتاج لتحقيق أهدافها وقتًا أطول، إلا أن تكاليفها على كل المستويات أقل. ويبدو أن العقوبات الاقتصادية لن تقف عند حدود إيران، ولا الشخصيات والكيانات الاقتصادية الإيرانية، وإنما ستمتد إلى أذرعة إيران في المنطقة، التي يأتي حزب الله في مقدمتها.
حزب الله الآن مشارك محوري في الحكومة اللبنانية، ويدعمه الرئيس اللبناني، لذلك فإن لبنان (الدولة) ستكون من الأهداف المحتملة للعقوبات الاقتصادية القادمة لحصار إيران؛ ولا أعتقد أن اللبنانيين سيتحملون حصارًا اقتصاديًا كهذا فيما لو حدث، فإذا كان النفط أعطى الإيرانيين قدرة على تحمل العقوبات فلبنان يعتمد في اقتصادياته على الخارج، الأمر الذي يجعله ينهار اقتصاديًا في أشهر معدودات إذا لم تكن أقل.
إلى اللقاء