فهد بن جليد
الأمر ليس من باب التهكم والتندر مع طول أزمة استقدام العاملات المنزليات المُزمنة، بل هو حقيقة علمية أثبتتها هذا الأسبوع دراسة لجامعة (بافالو الأمريكية) عندما توصل خلالها العلماء إلى أنَّ المرأة المُسنة التي تقوم بأعمال وأنشطة خفيفة داخل المنزل لمدة 30 دقيقة يومياً، كطي الملابس وغسيل الصحون وغيرها من الأعمال غير المُرهقة والمناسبة لعمرها، عادة ما تحمي نفسها من أمراض وأعراض الشيخوخة كألزهايمر بنسب كبيرة، ويتحسن لديها المزاج تدريجياً، وتخف عنها آثار مرض الباركنسون - شلل الرعاش - بشكل ملحوظ، وأكثر بكثير ممن يعتمدنَّ بشكل كامل على مساعدة الآخرين.
(العيش بدون خادمة) تجربة كتبت عنها الكثير من النساء - في مُختلف الأعمار - بمنطقة الخليج تحديداً، وكيف تغيرت حياتهن للأفضل بشكل كبير، ومن بينهن مشاهير وموظفات وطبيبات وأمهات، بل وحتى فنانات، استطعن التكيف مع الحياة في بيوتهنَّ دون الحاجة للاستعانة بطرف آخر -طوال الوقت- تبدو الفكرة للوهلة الأولى نوعاً من المثالية أو ( الهبة ) الموضة، سرعان ما تتراجع عنها المرأة في أول الطريق مع تراكم الأعمال وزيادة ضغوط الحياة، ولكن الواقع يتحدث عن نفسه، وكيف أن العديد من هؤلاء النسوة نجحن في التخلص من عقدة الخادمة أو العاملة المنزلية للأبد، بنبذ الاتكالية عندما نظمنَّ أوقاتهنَّ، واقتنعنَّ باتخاذ القرار بمُساعدة أزواجهنَّ والتزامهم بالقيام ببعض الأدوار، وتقاسم المسؤوليات فيما بين جميع أفراد الأسرة، مما ساعدهنَّ للشعور بخصوصية حياتهنَّ أكثر، بمجرد إعادة ترتيب الأولويات النفسية والمادية.
رغم المشاكل الأسرية العديدة التي خلفتها أزمة استقدام العاملات المنزليات في الكثير من البيوت السعودية السنوات الماضية، وفتح الطريق أمام الاستعانة بالمُخالفات لنظام الإقامة والعمل الذي تحاربه اليوم حملة (وطن بلا مُخالف)، إلا أنَّ هناك فوائد عديدة كشفتها في الجهة المُقابلة، ما كُنَّا سنعرفها لولا ما حدث، ولعل أول أمر هو مراجعة العديد من الأسر للاحتياج الحقيقي والفعلي لوجود مساعدة منزلية أو خادمة أو عاملة - سمها ماشئت - وأنَّ الحياة أبسط بكثير من ذلك و ستمضي بأفضل حال دون وجودها، متى ما كان هناك تنظيم وضبط وتعاون واستقرار أسري وعائلي.
المنزل بدون خادمة حياة مُتجددة، تُطيل العمر وتمنح السعادة والاستقرار والصحة، وتجربة تستحق الخوض مع التغيرات الاقتصادية التي نعيشها اليوم، شريطة أن لا ننظر إليها من باب الثراء والرفاهية أو كعنوان لحب الزوج لزوجته، خارج إطار الحاجة والضرورة المُلِّحة.
وعلى دروب الخير نلتقي.