د. خيرية السقاف
للمواسم مناخاتها وطقسها..
ولمواقع البسيطة من خط الاستواء سماتها, وصفاتها..
والمدى ثري بسرمديته..
آهل منذ الأبد إلى آماد ليست في مخيلاتنا محصلاتها, ولا مكتنزاتها..
لنا مما يجول بنا نزرٌ يسير من غيبها, وحاضرٌ يسير من مثولها..
وإنَّ شيئًا لا يغريني في هذا الكون كهذا الكون الذي تتعدد مواسمه, وتتقلب طقوسه, وتتنوع مناخاته, ويلوح لي بإلماحات غيبية مع ومضة برق, وجلبة رعد, وهاجس غيث, وطرق رياح, ولسع قيظ, ووخز صقيع, ولمس نسيم, وجمود ماء, وزمهرير احتواء..
لا ما يشدني إليه مثل هذا الكون بأوقاته المتواترة في دولبة زمن لا تتقاطع فيه ثانية مع أخرى, ولا نور مع ظلمة, ولا سكون مع نشور..
زمن لا يتنافر, لا يختل, ولا يعتل..
هذا الكون الزاخر, الذاخر, الثري, الغني, المتجدد, الثابت, المدر, المتغير..
حين تحل مراكبه في المدار, وتنزل في الوقت, وتتبدى في الموسم, وتظهر سافرة في أوانها..
هذا الكون الذي لا يتبدل, تثير كوامنه الصمت, تحفِّز دواعي التأمل, تُعمِل التفكير, توقظ كل مسامة في نسيج النبض..
للمواسم مناخاتها, وهذا الطقس يمدنا من بوتقته بما يحتوينا, فلا حيلة لنا , لا قمة جبل, ولا ستر عريشة, ولا فيء وارفة, ولا سرداب مُكُون, ولا ظهر باب, ولا سقف جُدُر..
كما لا حرير دودة, ولا صوف ماشية, لا نار حطب, ولا بَرْد مطر, لا شاطئ بحر, ولا عليل شاهق, كل المواسم تنزل بنا بما فيها, صفاتها, وسماتها, زفيرها, وشهيقها, أصواتها, ونفثاتها, ما تكعُّ, وما تنثر, ما تبثُّ, وما تثير, وما تعطي, وما تأخذ..
نتقلب معها, نتفاعل بها, ونتشكل حسًا, وهيئة, وسلوكًا كما الذي يتسق فينا, ومنَّا معها..
هي هذه الطاغية, الوارفة, الحاضرة, المرتحلة..
تدور بنا كلما نزل بنا موسم منها أسلمنا وهو يغادر للذي يليه..
أتأمل في عجز الإنسان الذي هو جزء في مكونات هذا الكون, مع محتويات هذا الكون, وفيها هذه المواسم المغرية, التي تأخذني مع مناخاتها نحوًا بعيدًا في التفكير, والتأمل, ومن ثم التعايش السلمي معها, ذلك لأن التمرد مع مناخاتها أمر له اتجاه آخر في نتائج المكسب, والخسارة إلا المغامر, فإنه وحده من لا يُسالم معها فيتجه ضد الريح, والسيل, والشلال, والمنحدِر.., وتلك مآلات أخَر..
تداعت بي نحو هذا الإفضاء حالة المناخ الراهنة «بشرى», وهو الاسم الذي اتفقت عليه «لجنة تسمية الحالات المناخية المميزة» قبل يومين للحالة المطرية النازلة بنا في هذا الموسم الآن, إذ توقعت اللجنة بأنها ستؤثر في مناطق, وستثير الغبار والأتربة في أخرى..
وعليكم التوقع والاستعداد
ولكم البشرى والغيث..
أما أنا فسوف أبدأ رحلة باطن سيتأمل كثيرا, وسيبوح كثيرا,
فالشتاء معي موسم تُعمِّر سحاباتُه المطيرة محبرتي لما يكون,
ولما سيأتي !!..