تغنى الشعراء بالظباء والغزلان، وحرّكت فيهم مواجع الهوى، وألهبت مشاعر الجوى؛ فتغنوا بمطافيل الضباء وخشوفها، وترنموا على صدى الذكريات، وجمالية الوصف بعذوبة الشعر، وروعته ودقة الوصف وإبداعه ونحن في هذا المقال نعدد جزءاً من بعض المعالم التي كانت مرتعاً للظباء والغزلان، فنحدد أوديتها ومراتعها؛ في سياحة فطرية مليئة برفْدٍ غنيٍ من الشعر وجمالياته.
يقول الشاعر الحطيئة:
خروج الظباء من حراج قطان
وقطان واد يسيل من شرقي جبل حضن الشهير ويسير ثم يصب في جفاجف وأراض واسعة تكثر بها الحراج والحراج جمع حرجة وهي المكان الكثيف الأشجار.
والحَرَجَة: غَيْضة الشجر الملتفَّة التي لا يقدر أحدٌ أن ينفُذَ فيها
بالقرب منه أودية وسبخات المويه والمحازة
قال الحطيئة:
أقاموا بها حتى أبنّت ديارهم
على غير ديم ضارب ٍ بجران
عوابس بين الطلح يرجمن بالقنا
خروج الظباء من حراج قطان
قال ابن خميس في المجاز:
قطان بعد اجتياز حزون الرحا نلم بوادي قطان وهو وادٍ يقبل من ناحية الجنوبي الغربي شرقي جبل حضن، وينصب نحو الشمال الشرقي في جفاجف وسبخات.
وهو يحمل هذا الاسم منذ القدم.
قال العقيلي:
ببطن قطان بين الشك وانجلت
عماية مهدون له الشك لازم
وقال محمد البقمي في أجزاع تربة:
قطان من أكبر مراب الصيد هذا ما يعرفه أبناء البادية إلى وقت قريب .
يقول الشاعر الشعبي:
حليَّها يرتع مسارب قطانِ
يبرى لصيدٍ في الحديبا مراويح
والحديبا مرتفع تتخلله الأودية في أعالي قطان.
حدثني والدي -حفظه الله- قائلاً: كانت حراج قطان ومحمية محازة الصيد ذات مرتع وغطاء نباتي متنوع وكثيف، ويتألّف الغطاء النباتي من حشائش قصيرة تتخللها مجموعات متفرِّقة من أشجار السمر والسرح والمرو بالإضافة إلى بعض النباتات الصحراوية الأخرى مثل الرمث والعوسج والثمام، كما كانت مرتعاً مليئاً بالضباء والغزلان والأرانب ومختلف الطيور مثل ظبي الريم والحبارى.والنعام. وقد تجوّلت في ربوعه، وسكنت في حراجه، ومررت بآباره وشربت منها وشربت راحلتي، ودُجت في حزونه وتلاعه، فما أجمل تلك الديار، وما أكرم أهلها، وما أحسن جيرتهم ومسامرتهم.
قال ابن خميس في المجاز:
ما أكثر حراج قطان وما أكثر ما ترى بها الظباء وتأوي إليها أيام كانت الظباء أبرز مظاهر جزيرة العرب وقبل وادي قطان واد يسمى بطان بين الزرايب والرحا.
قال تأبط شراً
ألا من مبلغ فتيان قومي
بما لا قيت عند رحا بطانِ
فإني قد لقيت الغول تهوي
بسهبٍ كالصحيفة صحصحانِ
وقرب قطان البتيلة، وهو جبل هرمي أسود فوقه بئر بريم؛ وهو منهل قديم لبني عامر بن ربيعة تشاركهم فيه بنو جشم بن معاوية واقع على طريق حاج الأفلاج وحجاج رنية والخرمة وما وراءهما، وهو الآن وما حوله من آبار ومراتع قبيلة البقوم العريقة قال ابن مقبل:
وأمست بأكناف المراح وأعجلت
بريماً حجاب الشمس لم يترحلا
وقرب بريم آبار صلّبة في شعيب يسمى باسمه
ذكرت في المعاجم القديمة باسم تصلّب ماء بنجد
وكذلك برمة وعدامة والحفيرة والبرما والكحلة والجبيب والقطانية والهمجة.
وبمحاذاة هذه الآبار والأودية جبل حضن الشهير، وهو يطل على الخرمة وتربة والغريف وشعر ورضوان والخالدية، وبينه وبين جبلا شعفين (شعف)
الحزم الحمر (حزم السي) الذي يمتد إلى ركبة
وركبة مرتاد الغزلان. قال كثير:
وما كبرت من فوق ركبة رفقة
ومن ذي غزال أشعرت واستهلَّت
تكثر الظباء في تلك الناحية وترتع في محازة الأودية الممتدة من شعفين إلى المويه، والشق والشقيق ورمروم والزرايب حتى ضعان والرحا، والمويه وحضن والشعبة ومشارف الخرمة.
واشتهرت وجرة بالظباء وهي على جادة البصرة إلى مكة بإزاء غمرة، جاء في بلاد العرب:
أهل الكوفة يحرمون بغمرة
وأهل البصرة بوجرة وهما يتراءان بينهما جبل الكراع،
قال لبيد بن ربيعة العامري:
زجلاً كأن نعاج توضح فوقها
وظباء وجرة عطّفاً آرامها
وقال عطية السلمي:
مراعيها العقيق إذا أطلّت
نجوم الصيف تحتدم احتداما
وترعى غرَّ وَجْرة حين يضحي
من الوسْمي قد نقع الرهاما
وقال النابغة :
مطرّدٍ أُفردت عنه حلائلُه
من وحش وجرة أو من وحش ذي قار
ولقد تغنى الشعراء بوجرة وأطالوا الحنين والأنين وذكروا ظباءها وغزلانها وصيدها وجمال أرضها وطبيعتها.
كما وصفوا الظباء والغزلان حول جبل شعف الواقع على مشارف وادي الخرمة قال البكري:
شعفان قرنان بنجد. وقال ابن مقبل:
مرته الصبا بالغور غور تهامة
فلما ونت عنه بشعفين أمطرا
وقال آخر:
سرت من جنوب العرق عزفاً فأصبحت
بشعفين ياهذا بادلاج أعبد
** **
عبدالله الحضبي السبيعي - كاتب وإعلامي سعودي