د. دليل بنت مطلق القحطاني:
إن الاهتمام بالآثار والاعتزاز بها وبقيمتها الحضارية والوطنية والثقافية يعتبر جل اهتمام قيادتنا الحكيمة، وما اصدق دليل على ذلك الا رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -أيده الله- لملتقى الآثار الوطني الأول الذي تنظمه الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني خلال الفترة من 7-9 نوفمبر 2017م بمدينة الرياض تحت مظلة برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة.
هذه الرعاية تؤكد اهتمام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- بالتراث الوطني بكل مكوناته، وإطلاقه عدد من المبادرات والقرارات الرائدة ذات العلاقة بالتراث الوطني، وتوجيهاته السديدة بالعناية بالآثار والمحافظة عليها، مثل التوجيه باستعادة الآثار الوطنية، وتسجيل القطع الأثرية التاريخية في سجل الآثار الوطنية، إقامة معرض روائع آثار المملكة عبر العصور، وتوجيهاته الكريمة بأهمية إبراز الحضارة الوطنية للعالم أجمع، وغيرها من القرارات التي تجسد عنايته -أيده الله-بالجانب الحضاري لبلادنا وفقاً لأسس وثوابت الدولة.
كما تعد هذه الرعاية السامية دليل على الجهود الكبيرة التي تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين في سبيل الاهتمام بهذه الآثار والمطالبة بحمايتها والاعتزاز بها وبدورها الحضاري.
لقد كانت الآثار شيء من المجهول على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي والبعد الحضاري للمملكة غير معروف في الكثير من بلدان العالم، إلا أنه وبعد انطلاق معرض روائع آثار المملكة منذ عام 2010م في عدد من الدول الأوروبية والأمريكية والأسيوية عرف العالم مكانة وتاريخ المملكة العربية السعودية من خلال مقتنيات هذا المعرض التي تجسّد البُعد الحضاري للمملكة، إضافة الى تعزيز التواصل الثقافي بين شعوب العالم، والتأكيد على أن المملكة مهد لحضارات إنسانية عظيمة توجت بحضارة الإسلام العظيمة.
لقد أثبت الملتقى الأول للآثار الوطنية في المملكة التوسع الفكري والثقافي لقضية الآثار ومدى التطور السريع الذي تشهده. ومن ذلك ما أكده مجموعة من أعضاء هيئة كبار العلماء ومستشاري الديوان الملكي وغيرهم من كافة فئات المجتمع على أهمية هذه الآثار وقيمتها ووصفها إرثاً حضاريا يجب المحافظة عليه، وهذا بدوره نقلة كبيرة لقضية الآثار وتطور الوعي بالتراث الوطني لدى أفراد المجتمع.
وما يدل على التوسع الفكري والثقافي أيضا مشاركة عدد من الجهات ذات العلاقة في اثراء هذا الملتقى مثل دارة الملك عبد العزيز، ووزارات الشؤون البلدية والقروية، والثقافة والإعلام، والتعليم، وعدد من المؤسسات والهيئات والجمعيات العلمية.
ومما يثلج الصدر ويؤكد اتساع دائرة الوعي والتحول مشاركة كوكبة من مسؤولات السياحة والتراث الوطني بالمتحف الوطني في هذا الملتقى بعدد من المهام تثبت اتاحة الفرصة للمرأة في مجال الاثآر كباحثة متخصصة ومعدة ومنظمة.
هذا غيض من فيض بالجهود التي تبذل للعناية بالآثار وجعلها محل اهتمام ومسؤولية المجتمع لأهميتها في تعزيز اقتصاد المملكة وحفظ تراثها وتاريخها وإبرازه للأجيال لقادمة.
هدف هذا الملتقى لرفع الوعي وتعزيز الشعور الوطني في المجتمع وتثقيف النشء بماهية الآثار وما تحويه بلادنا من إرث حضاري يتطلب التعريف به من خلال تجمع علمي كبير يوثق العمل الأثري في المملكة.
احتوى الملتقى عدد من الجلسات العلمية تدور محاورها حول آثار المملكة بفتراتها المختلفة من فترة ما قبل التاريخ حتى نهاية القرن الرابع عشر الهجري. وقد تشرفت كاتبة هذه السطور بمشاركتها بورقة عمل في هذا الملتقى بمعية كبار المتخصصين والباحثين في مجال الآثار من داخل المملكة وخارجها. أما عن ورش العمل فقد ناقشت عدة قضايا في مجال الآثار مثل التقنيات الحديثة فيها وقضية ترميمها وتأهيلها وتطويرها وحمايتها، وتناول أيضا دور الإعلام والمواطن في التوعية بأهمية الآثار وما يتعلق بها من أنظمة وتشريعات كما طرح موضوع فرص العمل في التراث الوطني. وصاحب الملتقى عدد من المعارض منها معرض روائع آثار المملكة والآثار المستعادة والمكتشفات الأثرية الحديثة ومعرض الصور التاريخية ورواد العمل الأثري ومعرض الكتب المتخصصة في مجال الآثار ومعرض مشروع ترميم محطة سكة حديد الحجاز بالمدينة المنورة. ستستمر هذه المعارض 50 يوما بالمتحف الوطني، بالإضافة لتدشين عدد من المشاريع في مجال الآثار.
شهدت ولازالت المعارض المصاحبة لهذا الملتقى إقبالًا واسعًا، من المواطنين وزوار المملكة وطلاب المدارس من الجنسين في مختلف الفئات العمرية، للاطلاع على موروث وتاريخ المملكة. كما صاحب الملتقى العديد من الفعاليات الثقافية والسياحية والاجتماعية في مركز الملك عبد العزيز التاريخي. وقد لاقى هذا الملتقى إشادات واسعة من زواره بمختلف فئاتهم، ووسائل التواصل الاجتماعي، بتنوع فعالياته ونجاحه في تعريف المواطنين بآثار وحضارات المملكة المتعاقبة وتوضيح بعدها الحضاري. وتزامناً مع هذا الملتقى شهدت مناطق المملكة أيضاً عدداً من الفعاليات المتنوعة أوضحت من خلالها أهداف هذا الملتقى ورسالته.
بوافر الشكر والتقدير نتقدم لمقام خادم الحرمين الشريفين وولى عهدة الكريم على هذه الرعاية وهذا الاهتمام الذي ساهم في خروج آثار المملكة من تحت الرمال وكهوف الجبال إلى العالمية.