عمر إبراهيم الرشيد
هناك موضوع لا يمله عاشق الكلمة ومن تطرب نفسه للحنها، ومن هو رفيق للقلم يسلك به دروب الحياة ويبني عوالمه على بياض الصفحات، ذلكم هو موضوع القراءة وصحبة الكتاب المطبوع تحديداً، فللورق عبق ورونق لا يعرفه إلا من أدمن مصافحتها. أعجبتني عبارة وردت في تغريدة (نادي مقروء) في موقع التواصل (تويتر)، مصحوبةً بصورة رائعة لمكتبة في ميدان بأحد أحياء ويلز وتقول التغريدة «أربعون مكتبة في ويلز، منها مكتبة الثقة في الهواء الطلق، بدون بائع فالقراء لا يسرقون». رائع وقع هذه العبارة «القراء لا يسرقون» يتردد في النفس والعقل، لذا جعلتها عنوان مقالي هذا مع حفظ حق هذا الحساب الراقي ومن يقوم عليه. وكما كتبت من قبل، فإنه برغم الثورة الرقمية في أمريكا والغرب عموماً، إلا أن الكتاب الورقي لا يزال يحتفظ بمكانته عند الغربيين، وذلك نتاج ممارسة تراكمية تبدأ مع الأطفال ما قبل المدرسة، وعادة القراءة لهم بواسطة الأبوين حتى وإن لم يفهموا المحتوى، وإنما هي ممارسة تربوية لرفع معدل الذكاء وترسيخ عادة القراءة مع فائدة تهيئة الصغار للنوم بطريقة صحية. على أنه من أجمل وأرقى المبادرات تلك المسابقة التي أطلقتها إمارة دبي لتحدي القراءة عبر الوطن العربي، ولإعادة الكتاب إلى أحضان العرب ناشئيهم وكبارهم، حين نعلم بأن عدد الذين شاركوا في هذا التحدي قد بلغ سبعة ملايين عربي. وفي تقديري الشخصي أن هذه المبادرة تعدل بناء ألف برج في دبي!، ومنها أن صاحب المبادرة الشيخ محمد بن راشد، قد تكفل بتجهيز عشر مكتبات في الجزائر باسم فاطمة غولام ابنة السبعة عشر ربيعاً، والتي رحلت إلى بارئها وهي في الطريق من بلدتها التي تبعد مئات الكيلومترات من العاصمة الجزائر لتشارك في مسابقة تحدي القراءة! سبعة ملايين عربي رقم يدل على أن الكلمة المطبوعة ما تزال بخير، داعية من يراهن على انحسار أو انقضاء عصرها وعهد الكتاب والقراءة عموماً إلى مراجعة نفسه. أوليست أرقام توزيع كتب مثل سلسلة (هاري بوتر) التي تصل إلى ملايين النسخ يوم صدورها مؤشراً على مكانة الكتاب هناك، وهذا في عواصم التقنية التي يفترض أنها تسبق غيرها في هجر الكتاب والكلمة المطبوعة، لكن محطات القطارات والمطارات ومواقف انتظار الحافلات هناك تشهد بالعكس.
القراءة فعل مختلف، لا يعود المرء بعد إنهاء كتاب كما كان قبل البدء فيه، حين يجدد مفاهيمه وتصوراته عن نفسه والآخرين وعن الحياة بأسرها، رسم معالمها بخياله الذي ازداد خصوبة بالقراءة التي تحيل الكلمات مشاهدَ وصوراً وأفكاراً، عكس الوسائط والصور المباشرة على قناة أو عبر جهاز لوحي، فالدماغ حينها في حالة استقبال حسي وبالتالي كسل عن أعمال الخيال وخاصية التصور اللتين هما أساس للإبداع والابتكار. لبعض قراء الكتب والصحف المطبوعة عادة، وأنا منهم، وهي انتقاء نسختهم من رف الكتب على أن تكون من وسط رزمة الكتب والأمر ينطبق على الصحف المطبوعة كذلك، حتى يضمنوا أن تكون نسختهم (عذراء) لم تمسها يد، تقديراً للكتاب وكأنه باقة ورد لا يستسيغ مقتنيها أن تكون قد عبثت بها يد من قبل، طابت أيامكم.