د.عبد الرحمن الحبيب
إذا كانت الشفافية تخلق مشاركة للناس عن طريق الإعلام، فالإنترنت وسع دورها، حتى صار بعض الباحثين يرى أنها أصبحت أهم عناصر الديمقراطية التشاركية أكثر من الانتخابات التي تحصل كل بضع سنوات، لأنها تسهل بشكل يومي معرفة ما يتم إقراره من تشريعات وإجراءات تنفيذها، ومن ثم تمنح الناس القدرة على المساءلة والاقتراح..
الديمقراطية الحديثة تبني على هذه المشاركة عبر الإنترنت خاصة وسائل التواصل الاجتماعي، كما تؤكد الأبحاث الأخيرة (دراسة سوزان مولر وآخرين). لكن للإنترنت جانب مظلم يتمثل في ضعف مصداقية المعلومات والأخبار، خاصة تلك التي يتم تداولها في وسائل التواصل الاجتماعي، وبالأخص عندما يكون هناك تخطيط مدروس من جهات تريد التضليل لأهداف تخصها ضد الاستقرار الاجتماعي والسياسي للبلد. ديفيد داننغ من جامعة كورنيل الذي يدرس ظاهرة نشر الجهل يحذر من أنّ الإنترنت يساعد في هذا الانتشار؛ فهو المكان الذي يجد فيه كل شخص فرصته ليصبح خبير نفسه، مما يجعل هؤلاء ضحايا لأصحاب السلطة والنفوذ الراغبين في نشر الجهل عن قصد وتخطيط.
في العدد الأخير لمجلة الإيكونومست البريطانية، سلط الضوء على الدور السلبي الذي باتت تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي، في عالم السياسة وتقسيم المجتمعات إلى فئات غير متوافقة، بدلاً من جمعها في حوار إيجابي يتفهم فيه كل طرف ظروف ومبررات الطرف الآخر، ومن ثم تقديم تنازلات من أجل الصالح العام للجميع.. لقد حدث خطأ ما..
وتضرب الإيكونومست أمثلة التضليل: أقر فيسبوك مؤخرًا بأنّ 124 مليون مستخدم شاهدوا أكاذيب روسية، على منصته قبل الانتخابات الأميركية الرئاسية الماضية وبعدها، خلال الفترة من يناير 2015 وحتى أغسطس 2017، في حين أقرت يوتيوب، بأنّ مستخدميها شاهدوا 1108 تسجيلات مصورة مرتبطة بروسيا، وقالت شركة تويتر إن العدد لديها بلغ أكثر من 36 ألف تغريدة.. بعيداً عن جلب التنوير، صارت وسائل التواصل الاجتماعي تنشر السموم، حسب المجلة.
ويستدرك المقال، أنّ وسائل التواصل الاجتماعي بحد ذاتها، لا تحدث الانقسام في المجتمع، لكنها تعمقه، وتلعب دوراً سلبياً بالخلافات الثقافية في المجتمعات. ولأنّ الأطراف المختلفة ترى حقائق مختلفة، فإنها لا تتشارك في هذه الوسائل للتوصل إلى حل توفيقي؛ فكل جانب يسمع فقط ما يعجبه ويراه جيداً لا لشيء إلاّ على أساس الكذب وسوء النية والقذف، ومجال أقل للتعاطف. لأنّ الناس يمتصون بشكل مضطرب التفاهات والفضائح والاحتقان، فإنهم يغفلون عما يهم المجتمع الذي يشتركون فيه.
أما من ناحية مصداقية المعلومات، فأشير هنا إلى دراسة علمية (د. خالد النمر وآخرون، 2015) عن سلامة المعلومات الصحية في تويتر، التي وجدت أنّ نحو ثلثي حسابات التغذية والحسابات الطبية غير الرسمية التي تغرّد باللغة العربية، كانت معلوماتها غير صحيحة وفقاً لتقييم أطباء استشاريين (شهادة البورد الأمريكي). كما وجد بشكل عام أنّ حوالي نصف المعلومات كانت غير صحيحة، وأقل المعلومات صحة كانت لحسابات التغذية، بالمقابل كان أعلاها صحة هي الحسابات الحكومية الرسمية وحسابات الأطباء الرسمية.
كيف نواجه هذا المأزق؟ هناك عدة طرق الأولى تشريعية على مستوى المجتمع والأخرى سلوكية على مستوى الأفراد.. وجدت دراسة استقصائية هذا الأسبوع أنّ 37% فقط من الأمريكيين يثقون بما يحصلون عليه من وسائل الإعلام الاجتماعية، وهي نصف النسبة للصحف والمجلات المطبوعة. لذا يرى مقال الإيكونومست أنّ الناس سوف تتكيف وتجد حلولاً، كما يفعلون دائماً، ولكن في الوقت الذي يستغرقه التكيف، يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تسبب ضرراً فادحاً.
أهم الحلول هو تطبيق التشريعات التي تطبق على وسائل الإعلام القديمة، مثل التشهير، وقوانين الملكية والحقوقية، لتكون شركات الإعلام الاجتماعي مسؤولة ومحاسبة عما يظهر على منصاتها. لكن الكثير من التأثير السيئ يأتي من خلال لا مبالاة الناس بتبادل المشاركات للأخبار ذات المصداقية الضعيفة. وهناك سبل حل أخرى، فيجب على شركات وسائل الإعلام الاجتماعية توضيح ما إذا كانت المشاركة تأتي من صديق عابر أو مصدر موثوق به، وتوضيح الأضرار الناجمة عن التضليل.. يمكن أن يمنع أسوأها أو تضع علامة عليها. المشكلة أنّ هذه الطرق لا تحبذها المواقع لأنها تؤثر على حجم جمهورها، لذا يتعين فرضها بموجب القانون.
أما على مستوى الفرد فمن المهم الاختيار المناسب للمواقع من خلال تقييم درجة الثقة فيها. فإذا كانت أخبار فما هو المصدر؟ هل هي من مصدر موثوق؟ وإذا كانت معلومات فهل هي من جهات مختصة أو حكومية؟ وإذا كانت غير ذلك فهل المصدر يذكر المرجع الذي استقى منه المعلومات.. درجة الثقة ترتفع مع الجهات المتخصصة وتنخفض مع المواقع الصحفية وتهبط كثيراً مع المواقع الاجتماعية وأكثر هبوطاً مع المواقع الشخصية..
وسائل الإعلام الاجتماعي يتم إساءة استخدامها، وتقوم هي بالانسياق مع تلك الإساءة فتفاقمها لأنّ هدفها الانتشار.. بالنسبة لي صار كل خبر في وسائل الإعلام الاجتماعي هو غير صحيح حتى تثبت صحته.. فلا تستعجل في نشر أخبار ومعلومات قد يتبيّن لك لاحقاً بأنّها مفربكة لأهداف سيئة فتحرج نفسك بالمساعدة في عمل سيئ..