عبد الرحمن بن محمد السدحان
لو استجبْتُ لشغف النفْس لمضيْتُ في الحديث عن هذا المؤلف النفيس، للدكتور ساعد العرابي الحارثي، لكنّني سأختم هذا المقال بفقراتٍ من (خاطرة) مسهبة دوّنتُها في رسالة موجّهة إلى المؤلف بتاريخ 7 شوال من العام قبل الماضي 1437هـ، بعد انتهائي من قراءة مشروع كتابه، انتخب منها ما يلي:
* * *
((.. كان لي مع سيرتك الرائعة موعدٌ دائمٌ أنفقتُ في سبيلها أياماً حتى أكملتُها قراءةً وتأملاً، وقد استَشْرفتُ عبْر بعض فصولها، والأولى منها تحديداً، بعضَ ما عانيتُه صغيراً في قرية جدِّي لأُمي رحمهما الله، (مشيّع)، بالقرب من أبها، كانت قمةُ طمُوحي في ذلك الزمن الطفولي الأغْبَر، ولمّا يبلغْ عُمري وقتئذٍ عدَدَ أصَابع اليديْن، أن أفُوزَ في نهاية كل يوم عَملٍ شَاق ـ إمّا راعياً للغنم أو ساقياً للزرع أو سايساً للبقر لجلبْ الماء من البئر العميقة! كنتُ أحلمُ أصيلَ كل يوم بوجبةٍ ساخنةٍ تطفئُ لظَى الجُوع في عرُوقي، وأن ألبسَ ثَوباً جديداً إذا حل العيد! ..)
* * *
ثم استطردت بعد ذلك قائلاً:
((.. كان إيقاعُ عزف قلمك العذب على أوتار الذاكرة يستمطر المزيدَ من سحائب الذكرى في خاطري! تألمّْتُ تأثُّراً بما عانيتَه أنتَ عبر محطات الآلام، بدْءاً بفُقْد (سِتّ الحبايب) وأنت لّما تكد تغادر مهدك وليداً، كنتُ أفرح لفرحك عقب كل جولة انتصار على تحدٍّ جديد يفضي إلى نجاح باذخ! رافقتُك في رحلتك العسيرة من (المرّيفق) إلى الطائف.. فالرياض في وقت لاحق، وصراعك العنيد مع عقبات وتبعات العيش في تلك المدينة، وكان الفوزُ حليفَك في كل جولة، لكنك لا تكاد تنعمُ بـ(يوفوريا) الفرح في ختام كل جولة مع الشقاء.. حتى يبرزَ لك تحدٍّ جديدٌ، فتنتصرَ عليه بثقةٍ وكبرياء! وبين هذا وذاك، تشكَّلتْ شخصيّتُك عبر السنين، بين طموحٍ لا حدودَ له، وإصرارٍ لا مفرَّ منه لتحقيقِ غَلبةٍ لا بديلَ لك عنها!
* * *
همستُ لنفسي مراتٍ وأنا في غمرة الاستغراق مع حروفك: إذن، ذاك هو ساعدٌ كما عرفتُه عَبْر السنين: شحنةٌ مثخنةٌ بالمشاعر تتقاسمُها رومانسيةُ الربيع وصخبُ الصيف، ولم يكن لسُبات الشتاء ولا هشيم الخريف مكانٌ في ساحة وجدانك المترع بالطموح بحْثاً عن الأفضل!
* * *
ثم ختمتُ رسالتي للدكتور ساعد الحارثي بالكلمات التالية:
كانت رحلة للعُمْر مثيرة وهبتْك رحيقاً عذباً من الإنجاز لكثير مما كنتَ تتمنّاه! وكنتَ في كل جولة من جولات حياتك عنيفاً مع نفسك، عنيداً مع من اعترض دربك، دون أن تُحدِثَ في نفسه شرخاً!
* * *
باختصار ..
1) الكتاب (هدية) لكل شاب من جيلنا الحاضر، يستعجلُ النجاحَ أو يسْتسْهله، ثم يعجبُ بعد ذلك من النتيجة!
2) الكتاب في مجملة، مبنىً ومعنىً، يرسم سيرةً خطّها صاحبُها بحروف من نور وجمر! ربما كان في ذلك متأسّياً برائعة أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال:
وما نيلُ المطالب بالتمنّي
ولكن تُؤْخذُ الدنيا غلاباً!