د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
اقتحمت منصات الإعلام الجديد كل تفاصيل المسير؛ وامتلأت بفرائد الرأي، وزخرت بالسجال المحمود حيال الناس والحياة، كما جنحت في أحيان أخرى إلى سوء التأويل؛ وإلى ما يزلزل أعمدة التفاؤل، وقد تكتظ بالهراء الذي لا يسمن ولا يغني من جوع؛ وحتمًا هناك فرق بين ما يجب نقاشه والإفادة منه وما يجب نقده لينجلي للعامة، ومقالي هذا ليس صحيفة وعظ؛ إنما هي دعوة مني للمسؤولين في القطاعات المختلفة ذات الاتصال بحياة الناس للتبصر في صيد العقول الموجهة عبر الإعلام الجديد وإن كان دون الصفة الرسمية وأعني ما يأخذ طابع الرأي أو المقترح؛ وإذا ما أدركنا أن جوهر القيادة هو قوة التنبؤ قبل حدوث الأشياء، والقدرة على إدراك الصورة الذهنية الكبيرة للأعمال، وإيجاد الحلول من خلال الربط بين الظواهر والأسباب، والمقدمات والنتائج، وتفعيل الطاقات البشرية بكفاءة في اتجاه تحقيق الأهداف، فإنه يلزم القادة اعتبار تلك المقترحات والآراء المبثوثة عبر الإعلام الجديد صناعة يجب فحصها، فكثير من الناس يكتبون بالنيابة عن مجتمعاتهم دون النظر إلى سقف تلك الصناعة، ومستويات الفكر فيها، وكثير من المؤسسات الناشئة تبدأ النهوض من خلال نواتج المقترحات التي يلتقطها كل من له صلة أو لازمة بواقعها؛ ولذلك تنشط وسائط الإعلام الجديد عندما تستحدثُ الدولة قطاعًا خدميًا جديدًا، أو تستبدل قيادة عليا حتى لو كان ذلك القطاع من سالف العصر! ويجمُلُ فضاء المقترحات عندما تعلن المؤسسات إستراتيجيتها؛ فكم من مقترح أصاب ودارت حوله مسارات، ويبدو أن هناك صلة كبيرة بين تلقي المقترح ناهيك عن قبوله، وصور العلاقة في دوائر العمل وبين كفاءة القائد، فالمعتاد أن المقترحات تقطع أودية سحيقة في رحلتها، وعادة ما تكون رحلة دون نهايات، وربما استوقف المقترح حيّز أناني لا ينشط عقليًا إلا على شكل أفراد، وكل فرد في الحقيقة يرى في المقترح احترابًا حوله، وحين تُغلق مساحات الرأي يغيب التحليل حتمًا؛ والمقترحات منذ الأزل تُقبل وترد، والنّاس جميعًا يتساوون في تلقي مضامينها، ولكنهم حتمًا لا يتساوون في فهم الفكر المتواري في طياتها؛ إضافة إلى أن المقترحات التي يقدمها الإعلام الجديد عبر مرتاديه الكُثر ليست مجردة عن واقعها؛ إنما مرايا مصقولة؛ وما أن تخرج إلى حيّز التنفيذ حتى تنبئ عن صاحبها، وتمثل انتماءه لبلاده وحرصه على تمام نجاحاتها، ولو تطرقنا لأسلوب دراسة المقترحات في المؤسسات المعنيةإنها صناعة ذات شعب، فهناك نسبة لا بأس بها مخصصة للسكوت! حتى يصبح المقترح في عداد المسكوت عنه! ونسبة أخرى من لوازم تمزيق المقترح وبعثرته ثم جمع أشلائه في صياغات تخرجه من قبول التجريب ناهيك عن التنفيذ! وفي المقابل هناك سياقات تؤطر للتنفيذ الحقيقي في حدود النظام المؤسسي المصنوع من البشر، كما هي المقترحات التي لا تمس قنوات التغيير في نطاق الإستراتيجيات الكبرى»، وربما تقبل المقترحات الداعمة التحدي، وتصمم على أن تمضي لإيمانها بكامل نفعه أو جزء منه وهو شروع في إعادة النظر في طريقة بناء بيئات العمل لتكون مؤهلة، والقذف إلى خارج الحلبة بكل الواهنين الذين لا يؤثرون في عالمهم ولا يتأثرون... ولنقف قليلاً عند ما يُسمى في بيئات العمل «صندوق المقترحات» فهو صندوق لو أقسم على النأي لصدقناه، فقد أغلق بمفتاح علاء الدين السحري، وأحسب أن تلك الصناديق «المعلقة» في ردهات المؤسسات صناعة أخرى للأبواب الموصدة دون الناس وحتمًا تجفل من زحف الرؤى المثيرة للدهشة أو لعلها تظن أن ما تحتويه من رؤى داعمة من الحيازات المدمرة لذلك المرتبع وأهله؛ فلو حدث تغيير في ذلك المكان لبارت سلعة الصندوق! ولذلك فإن حال الصناديق اليوم حال معتمة حين قارعها الإعلام الجديد وانطفأت مصابيح دروبها! فليت القطاعات والمؤسسات تعجل بوأد تلك الصناديق لتستقبل بوح الناس عبر الإعلام الجديد ومنصاته وتتبع ما ينفع الناس من خلاله..