منذ بداية إنتاج السجائر مع نهاية القرن التاسع عشر، تم الترويج لها كخيار صحي لدرجة أنها كانت ضمن قائمة التموين الغذائي العسكري للجنود الأمريكيين طوال القرن الذي يليه وحتى العام 1975م!! ولقد استمر الحال على ذلك إلى بداية توجس الأطباء من التدخين كسبب لأورام الرئة مطلع القرن العشرين.
ولقد قادت ألمانيا النازية آنذاك البحث في تلك العلاقة، وتم نشر أول دراسة إحصائية موثقة في العام 1939م بواسطة الدكتور مولر من مستشفى كولون توضح جلياً العلاقة ما بين التدخين وسرطان الرئة. تلا ذلك العديد من الدراسات على مستوى السكان لإبراز تلك العلاقة في دول متعددة. مما دعّم عمل بحوث بطرق مختلفة، كتجارب الحيوانات، ودراسة الخلايا، انتهاءً إلى التعرف على المركبات الكيميائية المسببة لتلك الأورام.
ومع استمرار اتضاح تلك الدلائل، إلا أن دراسات الاستطلاع في منتصف القرن العشرين بيّنت أن أغلب المجتمع والأطباء لم يدركوا بعد نتائج تلك الدراسات. ولعل من أهم الأسباب الإعلان التجاري والأخبار المضللة، ففي الثلاثينيات الميلادية، شرعت شركات التبغ في إشراك الأطباء كمروجين لحملاتها الإعلانية وذلك لمواجهة تنامي اهتمام الرأي العام بالأثر السلبي لمنتجاتها على الصحة، فلقد وظّفت صور الأطباء مع عبارات مثل: «عشرين ألف طبيب يقولون بأن سجائرنا أقل تحسساً»، و»كل حالة تهيج في الحنجرة شفيت تماماً، أو قطعاً تحسنت بتدخين سجائرنا الجديدة»!!
لقد خطرت ببالي كل تلك الصور التاريخية، عندنا اتشحت بغطاء آخر مع مطلع القرن الحادي والعشرين، وكأن التاريخ أبى إلا أن يُعيد نفسه، فمع اكتشاف الصيدلي الصيني هن ليك للسيجارة الإلكترونية بشكلها الحديث في العام 2003م، اكتسح ذلك المنتج أرجاء العالم وتم الترويج له كخيار أكثر صحة، مرة أخرى! وتتلخص فكرة السيجارة الإلكترونية في قدرتها على تبخير سائل ذي نكهة يستطيع المدخن استنشاقه في الحال. ويتكون السائل من النيكوتين ومنكهات أخرى كيميائية متعددة.
وفي منعطف مشابه لتطور الحقائق عن أخطار التدخين التقليدي، بينت دراسة حديثة في جامعة هارفارد، نُشرت في مجلة آفاق الصحة البيئية، أن 75% من السجائر الإلكترونية المتوفرة في الأسواق تحتوي على مركب النكهة الكيميائي Diacetyl المسبب لأمراض حادة بالرئة. وأوصت بالاستجابة الطارئة لدراسة أثر انتشار التعرض لهذا المركب.
مع كل يوم في مجال الأبحاث الصحية، هناك أمل جديد يتكون، وعلاج مرتقب يتشكل، وبالمقابل، تُلقي لنا الحياة المادية منتجات قد لا نعي خطرها إلا بعد فوات الأوان، كل ما علينا هو الحذر، وتوخي السلامة، ومعاملة أبداننا برفق.
** **
@DrBindayel