علي عبدالله المفضي
يُقال إن الإبداع ضرب من الجنون، ربما لأن العظيم منه يُسمعك ما لا تسمع، ويريك ما لا ترى، ويطير بك من واقعك إلى آفاق الخيال وعوالم الدهشة، ويجعلك في حالة من الذهول والتساؤل: كيف استطاع المبدع أن يقلب مقاييس المنطق والعقل، ويجعل منك مصفقًا لإبداعه؟ إنها الومضة من الإشعاع الذي يضرب عوالم المبدع دون موعد أو انتظار أو استدعاء.. إنها اللحظة الخاطفة من الامتزاج الخفي بين المشاعر والأحاسيس واللغة والفكرة.
وقد تغيب تلك الحالات عن المبدع طويلاً، وقد تتقارب؛ فالمسألة لا علاقة لها بالرغبة في كتابة قصيدة أو التعبير عن موقف يمر به.. وقد يستطيع مَن تمكَّن من أدوات كتابة القصيدة أن ينجز نصًّا يكون جماله بقدر توافقه مع الحالة المدهشة من الخيال والتقاء الأحاسيس، أو باهتًا خاليًا من الروح، له شكل القصيدة وبعض شروطها كالبحر والوزن والقافية.
لذا فإن الشاعر الفطن الذي يهمه أن تصل قصيدته إلى الناس، وتبقى في أذهانهم ووجدانهم، لا يستعجل على القصيدة وإن أبطأ حضورها