تركي بن رشود الشثري
«كن إيجابياً» مطلب يتكرر على الناس منذ بزوغ فجر دورات «الإيجابية» حيث انتقلت هذه الكلمة وهذا الطلسم السحري إلى المحاضرات ثم الكتيبات، ثم تداولها الناس بوصفها حلالة المشاكل والوصفة العامة لتسهيل الحياة، ولكن الناس يعترضون عليها بعض الأحيان، ويقولون كيف نكون إيجابيين ونحن فاشلون في كذا وكذا، أو ونحن لا نملك كذا وكذا، أو ليس لدينا من المقومات كذا وكذا؟.. والسؤال المهم: هل الشعور يسبق الفعل والفكر أم أن الفعل والفكر يسبق الشعور؟
بمعنى هل أكون إيجابياً بعدما أمتلك ما أريد أو بعد أن أنجح أم أني من المفترض أن أكون إيجابياً حتى أمتلك ما أريد أو كي أنجح؟
في الحقيقة، هذا السؤال تمت الإجابة عنه من علماء النفس، وتعددت الإجابات، وتباينت، ومن أجمعها أن المسألة طردية عكسية. وأضيف بأن شيئاً من الإيجابية يلحق، وشيء يسبق. ومع ما في هذه الإجابة من محاولة توفيقية إلا أنها هي الإجابة الممكنة من وجهة نظري؛ فمهما كانت الظروف ومهما كانت الأحوال فعليك باتخاذ موقف جاد بأن تكون مستعداً للتقدم والتحسن، ولا يكفل لك ذلك إلا شيء من الإيجابية والأمل، فإذا تحقق ما تريد اكتملت الإيجابية في حياتك، ونحن لا نعني تلك الإيجابية البلهاء التي لا تعدو الدعاوى وآمال الفارغين؛ نحن نعني إيجابية العامل المثابر المجتهد الذي انصرف لشأنه، ينظر نقاط القوة ليعززها، ونقاط الضعف ليقويها أو يتجاوزها، ويوظف طاقاته في الأماكن والأوقات المناسبة من دون أن يقارن نفسه بأحد؛ فالمقارنة هي رأس الآثام القلبية واللسانية.
تؤثر العلاقات الاجتماعية في كثير من الناس التأثير البالغ؛ فليس الجميع على قدر من الحصانة الذاتية التي هي وهبية؛ فيتأثر كثير من الناس بكلمة، ويعكر صفوهم إشارة، بل قد يتوقفون عن العمل بسبب تعليق ساخر..!
فيخطر في قلب الإنسان الحساس أنه فاشل لضعف تكيفه الاجتماعي.. ومن الجيد لمثل هذه الشخصية أن تدون المدائح التي نالتها في أوقات متفرقة كنوع من الدعم النفسي المتكلف، ولكنه مُجدٍ في مثل هذه الحالات، ويحقق قدرًا من التوازن. في كثير من الأحيان لا يحسن أن ندين أنفسنا أو أن نتهمها بالضعف أو التقصير بسبب رأي الآخرين؛ فهذه جبلة وطبيعة نفسية؛ فنحن خُلقنا هكذا.. فلنسامح أنفسنا، ونتروَّ في إطلاق الأحكام، ولنضع هامشًا واسعًا لمعرفة أن كثيرًا من الأقارب أو رؤساء العمل أو القرناء في العمر أو المهنة أو الهواية لا يريدون لنا أصلاً تقدماً ولا نجاحاً؛ فهذه التعليقات لا تعدو أن تكون نفثات، يروحون بها عن أنفسهم لأنهم يعانون، ولديهم ضغوط يفرغونها في أقرب شخصية حساسة.. قد يكونون من المحبين لنا بل ومن المعجبين، ويريدون صعودنا وسقوطنا في آن واحد! ليس الصعود المطلق ولا السقوط المطلق، وإنما هي درجة يحبون أن نكون عليها في أحيان، ودركة يسعدون إن شقينا بها في أحيان، ولا تسأل لماذا؟! هؤلاء هم الناس، وهذا طرف من عجائب خلق الله فيهم. إذن، انطلق، واسعد، وكن إيجابياً، ولا تُلقِ بالاً واسعاً لكثير من النقد والنصائح والتعليقات.. وإن تدربت على الفرز وقبول الجيد وإطراح الرديء فذاك.
الأيديولوجيا نقيضة الانتعاش الحياتي؛ فلا تلقائية ولا عفوية ولا نظرة مباشرة للأشياء بعد اعتناق الأيديولوجيا؛ فلديك حزمة من الفلاتر تمرر عليها كل ما تسمع وترى، وليتها قوانين الشريعة السماوية؛ فهي فلاتر تنقية، لا فلاتر تشويش، وإنما هي أفكار فلان وفلان من أصحاب الشخصيات الأخاذة التي لكتاباتها وأقوالها أثر السحر في النفوس، فإذا كررت القراءة لكاتب عدمي أو مؤلف مكتئب فستتسرب تلك الانفعالات إلى داخل نفسك، وستصبح نسخة في تيار مريض، يعاكس اتجاه الأحياء، ويضيِّق رحابة الحياة. إذن، لست فاشلاً، وإنما علقت مصيرك بحركة أفرزتها ظروف السياسة أو الاجتماع.. وهذه الظروف متبدلة. وكذلك صادف ذلك منك فترة شباب وحماس وقلبًا خاليًا؛ فتمكن، وليت هذا القلب بقي خالياً!
فإذا مات الزعيم أو خفتت الحركة فلا يعني ذلك أنك قد مت أو خفتت حركتك ككائن حي، بل يعني أنها الفرصة المواتية لخلع جلباب الحزب الثقيل والانسياب التلقائي مع الحياة كما أراد لها الله من دون طلب الثأر من هذا التيار بالانقلاب المتطرف في جميع أفكارك ومشاعرك؛ لأن معنى ذلك هو الانتقال من أيديولوجيا إلى أخرى، بل المطلوب هو غسل آثار الماضي من أيقونات ورموز وإشارات وطواطم ما أنزل الله بها من سلطان.. وتذكر أن الأرض ذللها الله لتمشي عليها بقدميك لا أن تضعها على رأسك الصغير وعنقك المائل.