قاسم حول
قدرت ميزانية فيلم «آخر عمل للسينمائي التركي سميح قبلان أوغلو بعشرين مليون دولار أمريكي. فلقد تم تصوير مشاهد الفيلم بين تركيا واليابان وأمريكا، وهذا ما رفع سقف الميزانية. عندما تدعم الدولة ممثلة بأعلى مراتبها وكذلك وزارة الثقافة مخرجاً مرموقاً، فإنها لا تفكر بالعائد المالي، لأن السوق التركية لا يمكن أن تأتي بعائدات تتجاوز الميزانية وحتى لو حصل المخرج والشركة المنتجة على فرصة عروض عالمية، لكن أهمية هذا الدعم هو إتاحة الفرصة لمخرج موهوب ومبدع كي ينفذ أعماله السينمائية التي قد تصل لحصد جائزة الأوسكار فيرتفع بذلك اسم تركيا بأعلى من القيمة المادية المنتجة للفيلم.
صور سميح قبلان أوغلو فيلمه «القمح» بالأسود والأبيض، وقد منح هذا الاختيار الفيلم قيمة جمالية خاصة، ويبدو أنه اختار التصوير بالأسود والأبيض لإحساسه بأن هذين اللونين وتدرجاتهما ينسجمان مع فكرة الفيلم.
فيلم القمح سوف أفتتح به مهرجان «أظنا السينمائي لهذا العام».
أفلام سميح أوغلو السابقة تضفي الفلسفة والصيغة الشاعرية أهمية متميزة على القيمة الجمالية لأفلامه. وكان هذا المخرج قد حصل على جائزة الدب الذهبي عن فيلمه «العسل» في مهرجان برلين السينمائي عام 2010 ورشح لجائزة الأوسكار.
وفيلم العسل هو فيلم من ثلاثية سينمائية مستوحاة من حياة المخرج القروية. وهذه الثلاثية حملت ثلاثة أسماء هي «البيض» و»الحليب» و»العسل» فالمخرج يحمل انطباعات القرية الجبلية التي ولد فيها، ويصور حكايات عن أهله وعن الأشياء التي تحيط به. ويتناول مجريات الأيام ونمو الإنسان منذ طفولته حتى نهايته. له أفكار فلسفية وجمالية في السينما، ويحتل اليوم مكانة مرموقة في الثقافة البصرية التركية، ولقد أصبح في موقع تقدير السلطات التركية، ليس فقط السلطة الثقافية، بل أيضاً السلطة السياسية. فهو الآن رمز من رموز تركيا الثقافية تفخر تركيا بأعماله السينمائية، وينتظرون منه الجديد دائماً.
من هنا تم دعم فيلمه الجديد المعنون بـ «القمح» ونحن نرى تسميات أفلامه عن منتجات الحياة تأخذ دلالات إنسانية وشاعرية.
الكل كان متشوقا في تركيا لفيلم الافتتاح في مهرجان «أظنا» للسينمائي التركي «سميح قبلان أوغلو» فهو اليوم شخصية ثقافية تعدت حدود المكان وانطلقت للعالم. ودائما الجمهور يترقب ويتوقع منه الجديد.
أن يحصل المخرج السينمائي على ما تردد من مبلغ العشرين مليون دولار وفي ظروف تركيا وصراعاتها الداخلية السياسية، وهبوط الليرة التركية ومشاكل الاقتصاد بسبب الاضطرابات السياسية، فهذا يعني في محصلته المكانة التي يحتلها هذا السينمائي. وحين يحصل المخرج على مبلغ كهذا فإن عمله السينمائي لا يواجه مشاكل ويتيح له فرصة الخيارات التقنية وفرصة تحقيق الديكورات أو دوكرة الواقع وتحقيق كل تذهب إليه مخيلته.
قد يكون المبلغ قد أشيع في أجواء الثقافة وحيث يحصل المخرجون الأتراك على مبالغ داعمة لأفلامهم لا تتعدى بضع مئات الآلاف من الدولارات، ولكن تنوع الأحداث بين بلدان مختلفة لا شك ترهق الميزانية. والمقارنة بين هذا المبلغ وبين ميزانيات الأفلام الأمريكية التي قد تتجاوز أحيانا المائة مليون دولار، فإن الطبيعة الاقتصادية للسينما الأمريكية تعادل طبيعة السوق السينمائية من سعر التذكرة في أمريكا وعدد صالات السينما وعدد السكان في أمريكا وتوق الأمريكيين للأفلام المثيرة. أما في تركيا فإن مردود الأفلام قياسا بهذه المعطيات من سعر التذكرة وعدد صالات السينما وعدد السكان، وطبيعة الأفلام التجارية الرخيصة السائدة مؤخراً من خلال التلفزة التركية ومسلسلاتها، فإن مبلغ العشرين مليون دولار لو صحت الأخبار يعتبر مبلغا كبيراً جداً في السينما التركية ولكنه ليس بالكثير على مخرج مرموق على كافة الصعد الفلسفية والرؤية الجمالية لكشف الواقع الإنساني في تركيا من خلال كاميرا مهنية ومخرج قدير مثل سميح قبلان أوغلو.