د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** من أجمل التجارب التي يعيها الواحد فينا تتلمذُه صغيرًا على من يحب ثم مزاملتُه كبيرًا؛ فكأنه يعيش أكثرَ من دور مع أستاذه الذي سيصير صديقَه فيبقى للريادة مكانُها كما للذاكرة جمالُها وللقرب دون مسافات نكهةٌ بلون المحبة والعرفان.
** كان أستاذنا «أبو سايد» نجمًا تابعه صاحبكم في برامجه المسموعة والمرئية، ثم شاء الله أن تكتمل دائرة اللقاء دون حاجز في استوديوهات الإذاعة بحضرة «كبير المذيعين المهيب» أي صارت العلاقة رئيسًا بمرؤوس؛ فحين يُصدر الجدول الخاص بمذيعي الفترات والنشرات يُمنع الاعتذار والاعتراض، ولا ينفع حينها: «تكفى يا بو سايد، والله يخليك، ولو سمحت أعفني من هذه وأعطني تلك» وما جرى مجراها، وحينما يتعاطف قليلاً يأذن بالتبادل مع زميل آخر والتوقيع بورقة رسمية يعتمدها لتبدأ رحلة المعاناة في التوفيق بين الأوقات والالتزامات، وكل هذا مصاحب بضحكته اللطيفة وروحه الطيبة، وكنا نلتقي خارج العمل (أي دون رسميات الإدارة) فلا يشفع لنا ما قد نقدمه من فروض الولاء، ولأن صاحبكم متعاون وليس رسميًا، ولا مطمع له في منصب ولا قيمة لمكافآة فقد كان حظه أفضل حيث درج كبيرو المذيعين قبل الأستاذ غالب وبعده على مراعاة عمله الطويل الشاق في معهد الإدارة وصحيفة الجزيرة؛ فكان نصيبه من النشرات اثنتين ومن الفترات اثنتين كل أسبوع، وقلما زادا وربما نقصا، عدا البرامج المسجلة والمباشرة؛ فلم تكن معاناته قاسية كسواه، وإن ظلت معضلة الوقت حاجزًا بينه وبين تقديم ما أراد أو ما طمحت إليه الإذاعة منه.
** كان الأستاذ غالب حازمًا جادًا منصفًا من نفسه؛ ففي الطوارئ يشغل ما شغر بغياب أو مرض أو عذر دون أن ينسى توقيع المذيعين على الإفادات «طيبة الذكر»، وكثيرًا ما تنتهي بالحفظ؛ فالمعنيون نخبة من إعلاميي الوطن أيام زهوه بالثقافة واللغة والحضور والتميز، وما الظن أنهم يتكررون لاختلاف الإيقاع البرامجي بين الأجيال.
** لم يطل مقام كبيرنا مكثًا في الإذاعة؛ فالتلفزيون شغله أكثر بنشراته «ومهامه وسفراته، كما ترك صاحبكم التعاون مع الإذاعة لمزاحمة المهام الأخرى، وظن أنهما لن يلتقيا كما تقضي طبيعة الحياة والأحياء لكن صديقهما المشترك السفير الدكتور حمد الهاجري وصل بينهما في عمَّان؛ فلصاحبكم ما يقتضي تردده على العاصمة الأردنية كما فضل أبو سايد الإقامة فيها بعد تقاعده مراعاة لحالته الصحية فتجددت الوشائج الجميلة بأقوى مما كانت عليه وظلت حتى اليوم بفضل أستاذنا الكبير؛ مروءةً ولطفًا وكرم نفس.
** وهذا الملف لا يتجاوز تحيةً سريعة لرمز إذاعي ضخم عمل وسيبقى في مسارات الضوء الثقافي المتفرد الذي عشنا فيه فما عشينا ونهلنا منه فما روينا؛ حفظ الله أستاذنا وأمده بعونه.
** الصوتُ صيت.