غالب كامل - بلا شك - إحدى الشخصيات الإذاعية والتلفزيونية التي تركت بصمة في ذاكرة السعوديين الذين شهدوا انطلاقة الإذاعة من الرياض، ومولد التلفزيون في المملكة.. قدم إلى المملكة شابًّا مشتعلاً بالطموح، متلهفًا لتعلُّم أسرار المهنة التي اختارها مسارًا لحياته.. كل الإذاعيين آنذاك كانوا من ذوي المواهب الأدبية والفنية الذين تعلموا العمل الإذاعي في الاستوديو بالاحتكاك ومشاهدة ونقل حرفيات الجيل الذي سبقهم، وتنمية المهارات بالممارسة، وإضافة لمساتهم الخاصة على ما يُسند إليهم من أعمال (إذ لم يكن في العالم العربي آنذاك كليات تدرس العمل الإعلامي كتخصص مستقل).
حقق غالب كامل بموهبته وسلامة لغته العربية وفصاحته وإلقائه الهادئ المتزن، واجتهاده في إعداد برامج جماهيرية، تعتمد على اللقاءات المسجلة مع الجمهور، نجاحات عدة في الإذاعة، وكان طموحه أكبر من أن تحده الإذاعة؛ ولذلك عندما بدأ البث التلفزيوني سعى إلى أن يكون له إطلالة على المشاهدين؛ لتقترن صورته بصوته في عقول متابعيه. وفي تلك الحقبة الزمنية كان التلفزيون بحاجة إلى الاستعانة بمذيعي الإذاعة وغيرهم من المؤهلين لإعداد وتقديم البرامج بإمكانيات المحطة الوليدة المتواضعة. وبالفعل، حقق مزيدًا من النجومية في عدد من البرامج التلفزيونية التي حظيت بإعجاب ومتابعة المشاهدين، ومن أشهرها لعبة «أيوه ولأ» التي نقلها من برامجه الإذاعية إلى البرامج التلفزيونية بخفة ظله وشخصيته الحوارية السلسلة.. لكن الذي رسخ وجوده في ذاكرة الناس كان أداؤه الوقور المتميز في نشرات أخبار التلفزيون، وتغطية المناسبات الوطنية والزيارات الرسمية ذات الأهمية الخاصة، التي كان المذيعون يجدون فيها ميدانًا فسيحًا لاستعراض بلاغتهم وفصاحتهم وعذوبة إلقائهم.
أما غالب كامل الزميل والصديق فهو شخصية شديدة البساطة، ودود، ومتواضع، ومحبوب من زملائه، يتحمل المزاح الثقيل بلا غضاضة، ويرده في الوقت المناسب.. وعندما كان يتولى إدارة التنفيذ كان لا يدخر جهدًا في سبيل مساعدة الزملاء، وتقدير ظروفهم الطارئة، وكان كثيرًا ما يبقى في مكتبه ظهرًا أو ليلاً تحسبًا للطوارئ، أو لتغطية التزام عن زميل متأخر أو متغيب قسرًا. ختامًا، سأكشف لكم سرًّا عن أمنية، لم يستطع غالب أن يحققها - رغم أن ذلك قد يثير حفيظته علي -: في 1973 - على ما أذكر - التقيت غالب في لبنان مصادفة. كان هو في مهمة لتسجيل لقاءات تلفزيونية مع فناني ذلك العصر البارزين (الذين كانوا يوجدون كل عام في صيفية لبنان للتنافس وترويج نتاجهم الغنائي بين الحفلات وشركات إنتاج الأسطوانات والأشرطة وبرامج التلفزيون)، وأنا كنت شابًّا يافعًا، أحب التوقف في إحدى العواصم الشهيرة في رحلة العودة إلى مقر دراستي في بريطانيا، وكنا نلتقي عصر كل يوم. مررت عليه لنخرج سوية فوجدته يغني، ويسجل بعض أغاني فريد الأطرش بصوته. تعجبت وسألته عن الأمر، فقال سأعرض صوتي على فريد الأطرش عندما ألتقيه غدًا؛ لأعرف رأيه فيه، ومدى ملاءمته للغناء.. ولا حاجة لي لإكمال القصة؛ إذ يبدو أن رأي فريد الأطرش قضى على آمال المطرب الطموح غالب. في المساء التقينا طلال مداح ومحمد شفيق - رحمهما الله - (كان طلال مرتبطًا بإحياء حفلات عدة في موسم الاصطياف اللبناني)، ورويت لهما القصة بحضور غالب، فضحكنا، وقال طلال لغالب ممازحًا «إذا صرت أنت مطربًا فأنا سأقرأ الأخبار بدالك، وسبأ يلحن، ومحمد شفيق يروح يكمل دراسة سبأ. والله يعين الناس). وكانت أيام وليالي ذلك اللقاء العابر مشبعة بالذكريات الطريفة التي لا تُنسى.
تحياتي لأبي سايد.. وأقول له: نفتقد حضورك، ونشتاق لتعليقاتك وقفشاتك.. ونقدر الظروف الصحية التي أجبرتك على الابتعاد.. نسأل الله لك الصحة والسعادة كما أسعدتنا بزمالتك وتعاملك ونتاج موهبتك على مر أعوام طويلة.
- سبأ باهبري