ميَّزه الله بصوت من طبقة (القرار) الفخمة التي تشد السامع والمشاهد شداً، لا يملك إزاءه سوى أن يستسلم للاسترسال الجميل الذي يحمله، والهدوء الذي يغلف صوته برغم قوته. (غالب كامل) يكفي أن تذكر هذا الاسم مجرداً حتى تتداعى عبارات الإطراء والثناء عليه، حتى تتمنى أن تكون هو بشحمه ولحمه.
عرفته وأنا طفل صغير وقد تعلقت بالتلفزيون والإذاعة في زمن مبكر، لا يكاد يمر برنامج دون أن أعرف كل تفاصيله من أسماء العاملين فيه، وعلى رأسهم المذيع،
وقد كان (أبو سايد) - وهو ما يحب أن يلقب - حاضراً بقوة في التلفزيون والإذاعة في نشرات الأخبار والبرامج الحوارية والثقافية بنشاط واضح، طبع شخصيته الوقورة، وقدم أواخر السبعينيات الميلادية من القرن الماضي برنامجاً بعنوان (لمن الكأس) الذي كانت فكرته تقوم على دوري بين ثانويات المناطق، ويتم التصفية من بينها؛ إذ يمنح الكأس للمدرسة الفائزة الممثلة بثلاثة من طلبتها، وهناك لجنة حكم من مختصين في إدارة التعليم ووزارة المعارف (التربية والتعليم) حالياً.
ولم يقتصر إبداعه على هذه البرامج فقط، بل قدم برنامجاً إنسانياً بعنوان (سلامات) برفقة الأستاذة القديرة نوال بخش، يتم من خلاله عمل جولة على المرضى في المستشفيات، ويطمئن عليهم، ويمنحهم الفرصة لنقل رسائلهم إلى أهاليهم داخل المملكة وخارجها. ولم أنسَ كلماته المقدمة بصوته الجميل بأداء أخاذ، وشاء الله أن ألتحق بالعمل بالتلفزيون محرراً للأخبار، فصرت أتشرف بلقائه والزملاء قراء النشرات في صالة التحرير، وكان يحضر قبل ساعة ونصف الساعة وأكثر لصالة التحرير، ويقرأ الأخبار بدقة، ويسأل عما يشكل عليه، أو يبلغنا بخطأ لغوي أو صيغة تحريرية أفضل، ويصر بشكل احترافي على السؤال، ويمازحنا في صالة التحرير بحس إنساني رفيع وتواضع جم. وفِي فترة لاحقة ترقيت للإذاعة مذيعاً، وكان مديري المباشر، فما وجدت منه سوى الدعم والمساندة والتوجيه الحكيم، والثناء في موضعه. وأذكر أنه عاقب نفسه لخطأ إداري ارتكبه، وعلق الإجراء على اللوحة. وكنا نتمنى بقاءه بعد التقاعد مستشاراً ومدرباً يستفاد من خبرته، لكنها غيرة الإداريين في الوزارة من المذيعين (لن يسامحهم التاريخ).
أما هو فظل اسمه مرادفاً للذكر الحسن والسمعة الطيبة والموهبة الخلاقة.. شفاه الله مما يعاني.
(هؤلاء المذيعون فجئني بمثلهم!!)
عبدالعزيز العيد - رئيس ملتقى (إعلاميون) وكبير مذيعين متقاعد