التحقت بالعمل الإعلامي في عام 1406هـ/ 1986م مذيعًا ومعدًّا للبرامج بإذاعة الرياض، وكان وقتها المذيع غالب كامل نجمًا كبيرًا من نجوم التلفزيون. ومن هنا فلم ألتقِ به في سنوات خدمتي الإذاعية الأولى.
وغالب كامل هو من جيل الكبار الذين عُرفوا بلغتهم القوية وثقافتهم الواسعة، وكانت البرامج في معظمها تسجَّل وتراقَب لغويًّا من قِبل متخصصين؛ وهو ما انعكس على جيل الأمس، في حين أصبحت البرامج المباشرة حاليًا مجالاً للثرثرة والعامية والأخطاء التي لا حصر لها.
وفي مصادفة غير متوقعة رُقّي الأستاذ غالب كامل إلى إذاعة الرياض، وكُلّف بالعمل رئيساً لقسم المذيعين كما هو اسمه الرسمي، في حين أن المتعارف عليه أن يسمّى من يرأس هذا القسم (كبير المذيعين) نظرًا إلى أن من يتولى رئاسته غالبًا يكون من أكبر المذيعين سنًّا وقدرًا، وأكثرهم خبرة وممارسة في العمل.
وكنت وقتها من منسوبي قسم المذيعين؛ فاقتربت منه أكثر، وتعرفت عليه أكثر، واستفدت منه ومن خبرته الطويلة.. وكان متميزًا في تعامله، دمث الأخلاق، ويتوخى العدالة في إعداد جدول المذيعين.
ومما وطّد العلاقة معه طلبه إجازة لمدة شهر في منتصف عام 1420هـ، وترشيحه لي لأكون رئيساً للقسم خلال إجازته، وكانت خبرتي وقتها لا تتجاوز أربعة عشر عامًا فقط، وهي قليلة بالقياس إلى خبرة غالب كامل الطويلة. وقبلت التحدي، وأدرت القسم نيابة عنه، واكتسبت خبرة إدارية مهمة، وكنت متحمسًا لتسيير العمل وتلافي المشكلات؛ فلم يشعر مدير البرنامج العام الأستاذ عبدالمحسن الخلف بخلل في سير العمل مع حساسيته الكبيرة؛ كونه يرتبط بعمل على الهواء في البرنامج العام وإذاعة القرآن الكريم.
وعاد الأستاذ غالب كامل من إجازته، وعدت إلى ممارسة عملي المعتاد، غير أن أمرًا لم أدركه، هو قرب تقاعد الأستاذ غالب، وانتهاء مدة عمله النظامي ببلوغه سن الستين، ومن هنا لم يباشر إلا مدة شهر تقريبًا، وكان الهدف منها لملمة أوراقه ووداع زملائه، وكانت مفاجأة غير سارة؛ إذ سنخسر بتقاعده قامة إعلامية متميزة ومتمرسة وعلى خلق، وكان على وزارة الثقافة والإعلام التعاقد معه لتدريب المذيعين الجدد مثلاً، والاستفادة من خبرته، ولكن ربما أنه لم يرغب في الاستمرار لظروفه الصحية.
وغادرنا تاركًا سمعة طيبة، وزمالة راسخة في الأذهان، وفوجئت بصدور قرار تكليفي برئاسة قسم المذيعين، وكان أول قرار نزع الورقة المعلّقة على الباب، وهي (كبير المذيعين)، ووضعت بدلاً منها (قسم المذيعين)؛ إذ لا ينطبق على من خبرته أربعة عشر عامًا اسم (كبير المذيعين).
وبعد، أتقدم بالشكر والتقدير للمجلة الثقافية بجريدة الجزيرة على وفائها ونبلها حين تذكرت أستاذنا وزميلنا الغالي الأستاذ غالب كامل - شفاه الله وأمد في عمره -.
د. عبدالله الحيدري - عضو هيئة التدريس في كلية اللغة العربية ورئيس قسم المذيعين بإذاعة الرياض سابقًا