أستاذي الكبير.. وأخي الغالي.. وصديقي الوفي.. وزميلي النقي.. الإعلامي المتميز غالب كامل، تعود معرفتي به وأنا على مقاعد الدراسة الإعدادية والثانوية في معهد الرياض العلمي في فترة تعلق قلبي فيها بالأصوات الإذاعية التي ساهمت في تأسيس إذاعة الرياض.. عشقت صوته وهو يقدم البرامج الثقافية والفنية، وأتابع بشغف نشرات الأخبار وهو يقرؤها، خاصة في الفترة المسائية.. ويشدني وهو يعلق وينقل على الهواء مباشرة بعض المناسبات الوطنية وتعمقت علاقتي به دون أن أراه شخصياً من خلال مشاركتي بريدياً في برنامج «مسابقات ومربعات» وحصولي على أكثر من جائزة مالية، إضافة إلى متابعتي إذاعياً.. كنت أحرص حسب الظروف على متابعته تلفزيونياً وهو يساهم في قراءة الأخبار وتقديم البرامج، ومن ضمنها برنامج «مسرح التلفزيون».
غالب.. تألق إعلامياً، وتعمق حبه في قلبي، واعتبرته المثل الأعلى لي إعلامياً، وتمنيت مقابلته شخصياً، وبدأت في التطلع إلى التوجُّه إعلامياً، وتحديداً الإعلام المسموع ممثلاً في إذاعة الرياض، ولكن كيف؟ لا أدري. ومرت الأيام والشهور وأنا في حالة ارتباط عاطفي مع صوت غالب وغيره من الأصوات الوطنية.. وتطلعاتي وأمنياتي تنمو.. وذات ليلة وأنا أتابع الإذاعة وبرامجها استمعت إلى تنويه عن برنامج جديد، سيكون من إعداد وتقديم غالب كامل، هو برنامج «هوايات»، وهو - كما ورد في التنويه - يُعنى بأصحاب الهوايات.. موسيقى.. وغناء.. وتقليد أصوات..
وفي اليوم التالي.. أمام مبنى الإذاعة في الملز شارع الفرزدق.. بالقرب من معهد الإدارة العامة.. كنت أقف أمام العسكري المكلف بالحراسة، وأسأله عن الأستاذ غالب كامل.. ألقى نظرة على مجموعة من السيارات، وقال: غالب غير موجود، «اصبر شوي».. ابعد عن البوابة. وفجأة وصلت سيارة بيضاء جميلة، وترجل منها رجل في قمة الجمال والحيوية.
ها هو غالب.. الذي تمنيت مقابلته شخصياً.. استمعت إلى صوته، ورأيته عبر شاشة التلفزيون.. الحمد لله ها أنت معه وجهاً لوجه. اقتربت منه.. وجدته مبتسماً.. مرحباً بي.. ومحتفياً وكأنه يعرفني منذ عشرين سنة، وعرَّفته باسمي وقلت له أرغب في المشاركة في برنامج «هوايات»، فقال على الرحب والسعة أهلاً بك.. ماذا عن هوايتك؟.. تغني.. أم تعزف على أي آلة موسيقية.. أم تجيد تقليد الأصوات؟.. وأجبته: كلا.. أستاذي الفاضل. أنا معجب بصوتك وأدائك، وغيرك كثير من الأصوات الإذاعية، وفي مقدمتهم الأستاذ / ماجد الشبل.. وأتطلع إلى المساهمة في قراءة الأخبار وتقديم البرامج. وخلال الحوار تذكر أني شاركت في برنامج «مسابقات ومربعات». عمومًا الرجل أخجلني بحفاوته واهتمامه وتواضعه، وسهل لي المشاركة في أول حلقة بقراءة أخبار سياسية لمدة خمس دقائق، وأعلنت النتيجة في الحلقة الثالثة، وحصلت على جائزة البرنامج إثر ترشيح مجموعة من المستمعين، وكانت مشاركتي في البرنامج بوابة دخولي العمل الإذاعي، وكان لقائي الشخصي مع هذا الرجل الطيب النبيل قمة سعادتي في تلك الفترة.. وأهم عندي من مشاركتي وحصولي على الجائزة المالية.
وباختصار.. غالب لم يكتفِ بذلك.. بل قدمني بعد أيام للأستاذ زهير الأيوبي المسؤول الأول في الإذاعة.. ومن ذلك اليوم تقريبًا في بداية عام 1390هـ بدأ تعاوني في إذاعة الرياض، وبدأت علاقتي به - أي غالب - تتعمق؛ فهو رجل صادق صدوق مثقف ومتواضع.. يمتلك جاذبية أخلاقية متناهية، ويمتلك مهارة عالية في التواصل مع الآخرين وعلى مختلف المستويات العلمية والعملية..
لم أشاهده يوماً في حالة خلاف مع أحد الزملاء.. حتى بعد تكليفه مديراً للتنفيذ في الإذاعة، ومواقف كثيرة في ذاكرتي تؤكد أصالة معدنه ونبل أخلاقه.
مرة أوقفت عن الأخبار.. الإيقاف كان من قبل الدكتور علي الخضري - إن لم تخني الذاكرة - ولمدة شهرين.. واختصرها بشفاعته إلى أسبوعَين. وخلال فترة حرب الخليج الثانية أصر أكثر من مرة على مشاركته في النشرة الواحدة. وذات يوم زرته في مكتبه المفتوح كقلبه، وطلبت منه إعفائي من تقديم برنامج يشاركني في تقديمه أحد الزملاء.. يطبق منهجية الإقصاء الإذاعي، وأنا لا أرغب في المصادمة معه احترامًا للزمالة.. سألني أبو سائد عن الأسباب، وأصر على المعرفة.. واقتنع بما أوردته من أسباب. وعند صدور الدورة الإذاعية الجديدة أسند إلي برنامجًا لا يقل أهمية عن ذلك البرنامج..
وهكذا موقف الرجل.. من الصعب إيرادها كلها أو الجزء الأكبر منها.. وطبعاً تميز أبو سائد في مجالات كثيرة ومتعددة.. والكتابة عنه تحتاج إلى ملفات..
والمهم.. غادر الرجل النبيل كغيره من الإعلاميين متقاعداً.. دون أن يُسأل عنه لاحقاً.. ودون أن ينال الحد الأدنى من التكريم المناسب.. وبالإمكان الرجوع إلى اللقاء التلفزيوني الذي أُجري معه في روتانا.. وحاليًا وضعه الصحي غير مطمئن، ولكنه يعد صابراً ومتفائلاً ومحتسباً.. رغم أنه فقد مؤخراً ابنه الغالي ماجد.. وقبله بمدة قصيرة ابنته الدكتورة غادة..
حبيب الجميع غالب يستحق كلمات كثيرة ولكن أكتفي بهذا القدر راجياً له حياة صحية واجتماعية ونفسية تسعد جميع محبيه.. شاكراً للزملاء في الجزيرة الثقافية هذه اللفتة المباركة، وعلى رأسهم أخي وصديقي الدكتور إبراهيم التركي والأستاذ محمد بن هليل الرويلي الذي أسعدني باتصاله الهاتفي، وطلب المشاركة.. وتحياتي للجميع.
محمد بن نهار القحطاني - إذاعة الرياض