مبادرة كريمة غير مستغربة، تُشكر عليها صحيفة الجزيرة الغراء ممثلة في مجلتها الثقافية وربانها الماهر أخي د. إبراهيم التركي وزملائه الكرام.. تلكم هي تقدير وتكريم من خدموا وطنهم وإعلام وطنهم.. وهذه المرة لرمز من الرموز الإذاعية والتلفزيونية الذين عايشوا بناء اللبنات الأولى لإعلامنا الإذاعي في المملكة العربية السعودية، وأسهموا بجهدهم وعطائهم منذ تلك البدايات المتواضعة حتى استوى على سوقه، واشتد عوده.. والرمز الذي تخصص له المجلة هذا الملف احتفاء وتقديرًا لعطائه هو الزميل والأخ الأستاذ غالب كامل الذي تشرفت بزمالته، بل تعلمت منه؛ فهو من الرعيل الأول في إذاعة وتلفزيون المملكة، ذلك الرعيل والجيل الذهبي الذي كان له قصب السبق في تأسيس إذاعة الرياض على وجه الخصوص قبل أكثر من خمسين عامًا.. جيل قامت على أكتافه ولغته ولسانه إذاعة الرياض، ومنهم - على سبيل المثال لا الحصر - (مع حفظ الألقاب): د. عبدالرحمن الشبيلي وخميس سويدان ود. زهير الأيوبي ومحمد المنصور وعبدالله هليل وماجد الشبل ومحمد علي كريم وغالب كامل وخالد بوتاري ورشاد المحتسب ومحمود أبوعبيد ود. محمد كامل خطاب ود. علي الخضيري ود. علي النجعي ود. عايض الردادي وعوني كنانة) وغيرهم مع تفاوت في الأقدمية بينهم (وليعذرني من فات علي اسمه). رحم الله من لقي ربه منهم، ومتع من بقي بالصحة والعافية. ولقد أسهم أولئك الرواد في بناء وإعداد كوادر إذاعية سعودية، ما لبثت أن تسلمت الراية من بعدهم، ثم توالت الأجيال الإذاعية بعد ذلك، وكل أولئك وغيرهم من المهندسين والفنيين والمخرجين والإداريين في الاستوديوهات والمرسلات والمكاتب يستحق الشكر والتقدير. أعود للمحتفى به الأستاذ غالب فأقول: إن أبا سائد كان مميزًا في أدائه ولغته وصوته وحضوره وحيويته ونشاطه.. قدم الكثير من البرامج التي ظلت عالقة في أذهان الكثير من المستمعين والمشاهدين، وقدم نشرات الأخبار، وتميز بها، ونقل الكثير من المناسبات الداخلية والخارجية، ورافق ملوك هذه البلاد - رحمهم الله - في زياراتهم الرسمية، وقام بتغطية تلك الزيارات، فكان نعم الإذاعي الملتزم بعمله الذي شرف وطنه في كثير من المحافل.. غالب كامل دقيق في عمله، حريص عليه، يحترم المستمع والمشاهد، فلقي مقابل ذلك الاحترام والتقدير.. غالب كان مشجعًا للكوادر السعودية، الإذاعية منها والتلفزيونية، وأسهم في تدريب ونصح وتوجيه تلك الكوادر حتى صار لهاأنها فيما بعد.. وأنا واحد ممن شجعهم عزيزنا أ. غالب، وحثهم على الالتحاق بالتلفزيون مذيعًا. وأذكر موقفًا قد نسيه أبو سائد، لكنه ظل محفورًا في ذاكرتي: كنت قد بدأت التعاون مع الإذاعة مذيعًا متعاونًا وأنا طالب في كلية اللغة العربية، وذلك في مبنى الإذاعة القديم بالملز. وذات مرة اشتركت في برنامج مسابقات تلفزيوني، يعده ويقدمه غالب، وقدمت مقطعًا إخباريًّا، فزت بسببه بجائزة في البرنامج، هي عبارة عن راديو صغير. وقال لي غالب: (أداؤك ولغتك ممتازان؛ لماذا لا تأتي مذيعًا في التلفزيون). فكان لتلك الشهادة والكلمات التشجيعية صداها الإيجابي الكبير في نفسي؛ ما شجعني لاحقًا على الالتحاق بالتلفزيون مذيعًا ومقدم برامج ونشرات أخبار.. وما أبداه غالب من تشجيع لم يكن قاصرًا علي وحدي؛ فقد كان نعم الموجه والمشجع للجيل الإذاعي والتلفزيوني الذي التحق بالجهازين.. وقد سعدت بعد ذلك بزمالة أخي غالب، وقرأنا سوية نشرات الأخبار في التلفزيون. وكشاهد على دقة غالب وحرصه في قراءة الأخبار كانت نشرات الأخبار تقرأ من الورق قبل الأجهزة الحديثة التي رُبط النص فيها بالكاميرا، فكان - على الرغم من تمكنه الدقيق في اللغة والصياغة - يدقق في كل كلمة، ويشكلها، ويحدد مقاطع الخبر ووقفاته. وقلت له ذات مرة: أنت مذيع متمكن، وذو خبرة ومتمرس في قراءة الأخبار، فلماذا كل هذا التدقيق؟ قال: إذا كنت تريد احترام نفسك وتاريخك فعليك باحترام المستمع والمشاهد؛ وعندها يقدرك. ذلكم هو الإذاعي الواثق من نفسه المقدر لمهنته الحريص على أدائه.. ماذا عساي أن أضيف عن أخي الحبيب الذي آثر العيش في الأردن الشقيق لأسباب صحية، وبناء على نصيحة الأطباء؛ إذ الطقس في الأردن بارد صيفًا عكس الطقس الحار في المملكة، لكنه لا ينقطع عن الوطن؛ فهو يأتي للرياض في الشتاء، ويقيم مع أبنائه - متعه الله بالصحة والعافية -. أرجو أن يتقبل تحياتي وهذه المشاعر الأخوية تجاهه.. أكرر الشكر للجزيرة ومجلتها الثقافية والقائمين عليها على هذا الوفاء.
- منصور الخضيري