م. خالد إبراهيم الحجي
إن الفساد بجميع صوره وأشكاله يوجد في دول كثيرة بنسب متفاوتة. ودرجة تأثيره على المجتمع تتناسب طردياً مع حجم الفساد وقوة انتشاره في المجتمع. لأن الأموال المنهوبة بسبب الفساد تُضعف التنمية الاقتصادية وتعوق مسيرة التقدم والتطور. وأعلى درجات الفساد خطورة هي التي يمارسها المسؤولون الحكوميون ورجال الأعمال الذين وثقت بهم الدولة ووضعتهم في مناصب السُلطة العليا لخدمة الوطن والمواطنين وتنفيذ خطط التنمية والتطوير في الدولة، فاستغلوا مناصبهم أسوأ استغلال لمصالحهم الشخصية وتحقيق المكاسب الاجتماعية، وأخذوا ينهبون ثروات الوطن وموارد الدخل الاقتصادي، وحققوا مليارات الدولارات بالكسب غير المشروع تحت شعار الوطنية زوراً وبهتاناً؛ فتضخمت ثرواتهم الخاصة بسرعة فائقة وأصبح فسادهم عائقاً في وجه التنمية الاقتصادية وتقدم الوطن وتطوره. ويُجمع خبراء الاقتصاد، ويؤكده الواقع، أن غياب المساءلة الإدارية والمحاسبة القانونية يلعبان دوراً كبيراً في تشجيع دخول الإكراميات والعمولات والرشاوي وما في حكمها إلى بيئة الروتين الحكومي؛ فتتضخم البيروقراطيات المعيقة لسرعة إنجاز الأعمال، وتعيد توجهات العاملين فيها من الاهتمام بتقديم الخدمات للجمهور إلى الاهتمام بالكسب غير المشروع.. والفساد عدوٌّ لدودٌ للتنمية الاقتصادية والتطور والتقدم. وفي دراسة أجراها البنك الدولي عن التكلفة الاقتصادية للفساد، توصلت نتائجها إلى أن التكلفة المالية باهضة جداً على الاقتصاد الوطني بسبب الأضرار التالية:
(1): الفساد يؤدي إلى تضييع ثروات الوطن لحسابات الفاسدين على حساب باقي أفراد المجتمع. ويبطئ النمو الاقتصادي الوطني، ويقلل مستوى الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد، وينتج عنه على عدم استقرار الأسعار: وهو سبب مهم جداً لحماية المستهلك؛ لأن استقرار الأسعار يعني السيطرة على التضخم: وهو الارتفاع العام في مستوى أسعار للبضائع والخدمات في الاقتصاد على المدى الطويل؛ وزيادة التضخم يؤدي إلى انخفاض في قيمة العملة وبالتالي انخفاض قوتها الشرائية.
(2): الفساد يؤدي إلى اختلال ميزان الكفاءات بين العاملين في القطاعين الخاص والعام بسبب انتشار المحسوبيات لصالح الانتهازيين والوصوليين على حساب أصحاب الكفاءات والمؤهلين وضياع مبدأ وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
(3): الفساد يقضي على الاستثمارات الناجحة التي تنفع الوطن. كما توصلت الدراسة المذكورة أن نسبة الاستثمارات أقل في الدول التي يزيد ويستفحل فيها الفساد، بمعنى آخر أن الاستثمارات تتناسب عكسياً مع حجم الفساد الموجود في الدولة.. لذلك صدر الأمر الملكي السام يوم السبت الرابع من أكتوبر2017م بتشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد برئاسة ولي العهد. وكان أمراً واضحاً وصريحاً وأخذ بالطريقة المثالية لمكافحة الفساد من أعلى درجات السلم الوظيفي والإداري فاستهدف سرعة القبض على رؤوس الفساد من الأمراء والوزراء وكبار المسؤولين في الدولة، وقد كان عنصر المفاجأة في القبض عليهم مهم جداً في ظل سرعة انتقال الخبر عبر السوشال ميديا الموجودة بين أيدي الناس في الوقت الحاضر؛ لأن بعض رؤوس الفساد المتهمين يملكون طائرات خاصة تُمكنهم من مغادرة المملكة فوراً والهروب قبل القبض عليهم، والبعض الآخر يستطيعون في لحظات تحويل أرصدتهم المصرفية المتضخمة بواسطة الجوال إلى حسابات مصرفية أخرى للهروب من المساءلة القانونية وتضليل العدالة.. وقد أفاد النائب العام بأن التحقيقات مع المتهمين ستكون مفتوحة وعادلة ومنصفة بحق الموقوفين، وحسن معاملتهم، والعدل في الأحكام وتبرئة كل من ثبتت براءته. كما صرح النائب العام بأن الأصول والمبالغ المنهوبة تقدر بمئات المليارات وتتغير باستمرار مع التقدم في سير التحقيقات، وسيتم الإعلان عن الرقم النهائي بعد الانتهاء من التحقيقات مع جميع المتهمين، وأن جميع الأصول والمبالغ المنهوبة ستعود إلى خزينة الدولة.. وقد ظهرت نتائج وثمرة الأمر الملكي في مكافحة الفساد والمفسدين على الساحة الدولية؛ فقفز سعر برميل النفط الواحد إلى 65 دولاراً محققاً أعلى مستوى له منذ سنتين.