د. عبدالحق عزوزي
اجتمعت الأسرة الدولية في ألمانيا للتحرك بصورة عاجلة ضد الاحتباس الحراري، وإحراز تقدم في تطبيق اتفاق باريس حول المناخ. وعقدت القمة المعروفة بـ»كوب 23» في مدينة بون الألمانية، بمشاركة مندوبي مائتي بلد بما فيها الولايات المتحدة رغم إعلان الرئيس دونالد ترامب سحب بلاده من الاتفاق. وسلّم وزير الخارجية المغربي الأسبق ورئيس الدورة 22 لمؤتمر الأمم المتحدة لاتفاقية الأطراف بشأن تغير المناخ (كوب 22 بمراكش)، صلاح الدين مزوار، في بون، مقاليد رئاسة المؤتمر لرئيس حكومة فيجي فرانك باينيماراما... وفي افتتاح الدورة أشار مزوار إلى أن دورة مراكش ستدخل التاريخ باعتبارها أول دورة تتناول الإجراءات العملية لتنفيذ الاتفاقية بشأن تغير المناخ، والتي جرى اعتمادها خلال دورة (كوب21) في باريس، وصادقت عليها في حدود اليوم 169 دولة، وقال مزوار إن دورة مراكش كانت دورة «العمل من أجل المناخ»، مشيرا إلى أن من أبرز نتائجها إصدار «إعلان مراكش للعمل من أجل المناخ والتنمية المستدامة» ووضع الجدولة الزمنية لـ»شراكة مراكش من أجل العمل المناخي الشامل»، وإشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص والجماعات المحلية. وقال رئيس وزراء فيجي ورئيس القمة المعروفة بـ»كوب 23» فرانك باينيماراما خلال مراسم افتتاح القمة التي تنظمها الأمم المتحدة «طلبنا الجماعي إلى العالم هو أن يحافظ على الوجهة التي حددت في باريس» عند التوصل إلى الاتفاق حول المناخ في نهاية 2015.
إن الوضع خطير جداً. فالتقارير العلمية الدولية تؤكد أن المرحلة الحالية هي الأكثر حراً في تاريخ الحضارة البشرية، والوضع سيتفاقم في غياب تخفيض كبير للغازات المسببة للاحتباس الحراري، ومن المتوقع أن يكون 2017 العام الأكثر حراً بين الأعوام التي لم تشهد ظاهرة «إل نينيو»، وهي الظاهرة التي تحدث كل ثلاث إلى سبع سنوات، وتتسبب بارتفاع الحرارة، بحسب ما أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في مؤتمر بون.
وقال الأمين العام للمنظمة، بيتيري تالاس، إن «السنوات الثلاث الأخيرة هي الأعوام الأكثر حراً على الإطلاق، وهي تندرج في إطار ميل الكوكب إلى الاحترار على المدى البعيد»، وقبل أيام من انعقاد قمة المناخ، حذرت حصيلة صادرة عن الأمم المتحدة من الفارق «الكارثي» بين الأفعال والحاجات، في ختام سنة شهدت كوارث طبيعية كبرى رجّح الخبراء أن تتواصل في ظل اختلال المناخ، وبينها الإعصار إيرما، أشد إعصار في التاريخ في المحيط الأطلسي، والإعصار هارفي الذي تسبب بأمطار كانت الأكثر غزارة التي تم تسجيلها على الإطلاق، وإذا كانت مشاهد الدمار في الكاريبي لا تعطي أدلة واضحة بما يكفي على حقيقة الخسائر، فلا نعرف ما الذي يمكن أن يشكل دليلاً؟.
إن القواسم المشتركة التي تجمع بني البشر، والمسؤولية الجماعية تفرض على الجميع القيام بجهود هائلة في السنوات المقبلة لبلوغ هدف الحد من ارتفاع حرارة الأرض «دون 2 درجة مئوية» مقارنة بما قبل الثورة الصناعية.. فهناك تأثيرات سلبية ستأتي على الأخضر واليابس في عدة مناطق من العالم إذا لم يتدارك ملوثو الكرة الأرضية الوضع من الآن، وإذا لم تأخذ السياسات العمومية للدول وبالأخص الصناعية الكبرى منها الوضع في إطار سياسات إيجابية وصديقة للبيئة والإنسان والنبات والشجر والدواب وهي أصل حياة الإنسان وعليها مستقبل البشرية جمعاء... فالسياسات العمومية الجوفاء هي التي لا تفكر إلا في الحاضر وتنسى المستقبل، بمعنى أنها تنظر بمنظار أناني ضيق يبتغي تحقيق مصالح اقتصادية وسياسية آنية وضيقة على حساب مستقبل البشر. فالالتزام بمواجهة إشكالية التغيرات المناخية، من خلال تطبيق اتفاق باريس، يجب أن يجسد الرغبة المشتركة في تعزيز التضامن بين الأجيال. ويعد هذا الانخراط ضرورة أخلاقية، وواجبا إنسانيا، يجب أن يقوم على الإيمان بحتمية المصير المشترك، والتضامن الصادق بين الشمال والجنوب، لصيانة كرامة البشر. فقد تم تقديم وعود كثيرة، خلال العديد من المؤتمرات السابقة، غير أن واقع الكرة الأرضية اليوم يفرض تحمل المسؤولية أمام الله والتاريخ، وأمام الشعوب. فهل سيكون لمؤتمراتنا واتفاقاتنا معنى إذا نحن تركنا الفئات الأكثر هشاشة، هناك في الجزر المهددة بالزوال، وفي الحقول المهددة بالتصحر، في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، في مواجهة قدرها المليء بالمخاطر؟ فإشكالية البيئة هي إشكالية يجب التعامل معها بكل الجد والمسؤولية. لأن الأمر يتعلق بوجود الإنسان، وبمسؤولية البشر المشتركة، فهل من مستمع؟.