سلمان بن محمد العُمري
التستر على المخالفين للإقامة النظامية أو التستر التجاري ليس خيانة للوطن والأمانة فحسب بل هو ضرب من ضروب الفساد لأنه مع مخالفته للأنظمة يتسبب في أضرار أمنية واقتصادية واجتماعية، والعاملون من المقيمين بصورة غير نظامية يشارك في التستر عليهم من يأويهم في الإسكان، ومن ينقلهم، ومن يعملون تحت مظلة مؤسسته أو يعملون لديه بصفة مباشرة، وكذلك الحال لمن يستقدم عمالة ويجعلون من صاحب المؤسسة مطية وجسراً لأعمالهم التجارية غير النظامية بحيث يبقى السجل والاسم للمالك السعودي والمغنم والأرباح والبيع والشراء تصب في جيوب هذه العمالة، والمبالغ التي يستهان بها شكلت مليارات تم تحويلها إلى بلدان المستفيدين كان من الأولى أن تصب في نمو بلادنا ويستفيد منها البلاد والعباد.
إن الأرقام الخيالية والفلكية التي طرحتها بعض المؤسسات المختصة حول التستر مخيفة ومذهلة فهي ليست بالقليلة، ويمكن الاطلاع على بعض الإحصائيات والدراسات المتخصصة في هذا المجال والتقارير الصادرة عن بعض المؤسسات والدوائر التجارية. بل أن هناك دراسة صدرت في كتاب يحمل اسم (احتلال السوق السعودي) صدر عن أحد دور النشر قبل أربعة أعوام روى فيه الكتاب قصة احتلال العمالة الوافدة للسوق بصفة نظامية وغير نظامية، والأكثر الجانب الآخر للأسف فقد أكلوا الأخضر واليابس، وكل هذا لم يتأت لولا تهاون بعض المواطنين وتكاسلهم وخيانة البعض وتسترهم.
لقد نشرت وسائل الإعلام منذ مدة وفي حديث لمسؤول في الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة أن عدد حالات التستر التجاري في المملكة عالية جداً تصل إلى أكثر من 250 ألف حالة، وأنه تم ضبط 450 حالة، وصدر حكم قضائي في الإدانة نحو 27 قضائياً، إن هذا الرقم المهول جداً (250 ألف حالة تستر) مع «100 مليار ريال» لا تدخل السوق المالية يحتاج إلى تفعيل برنامج وطني لمكافحة التستر التجاري. فالإحصائيات الرسمية تقول 250ألف، والذين تم القبض عليهم 450 حالة فقط، والإجراءات القضائية صدرت في حق 27 حالة فقط. فأين المتبقي من حالات التستر التي تزيد عن 249.500 ألف حالة، وهذا يتطلب الحزم والعزم في الأسواق التجارية وتشديد الرقابة، ونحتاج لتعاون الجميع، ودمج الرقابة الحكومية مع عمل مؤسسي للمجتمع المدني، وأن يكون هناك لجان مفعلة زيادة على ما يوجد في بعض الإمارات من لجان تجتمع في المكاتب فقط، فهذه اللجان نتاجها غير ظاهر للعيان ولم تحقق التطلعات، ولم تحجب وتحد من المخالفات والتجاوزات، ولاتزال تمارس دورها على استحياء، ولا تبادر بالتفتيش والمراقبة والتحقق من البلاغات والشكاوى التي تصلها، ولا بد من الصرامة واتخاذ إجراءات رادعة للمخالفين.
كما أننا بحاجة إلى ترسيخ مفهوم الرقابة الذاتية والخوف من الله عز وجل، وتعزيز الولاء للوطن والمجتمع وعدم ابتذالهما والتأثير عليهما بما يضرهما في أي مجال أمني أو اقتصادي أو اجتماعي. فالتستر والخيانة وإضاعة الأمانة لا تتفق والإيمان الصادق، وصدق الولاء للوطن، ولابد من التوعية الدائمة في المناهج والتربية، ووسائل الإعلام والخطباء، والتأكيد على حرمة ذلك شرعاً ونظاماً، وأنها خيانة وتكسب غير شرعي للمسهل والمتعدي والمتجاوز، وأن ذلك يتنافى والخوف من الله، ولا يتوافق مع صدق الانتماء الوطني.