د.خالد بن صالح المنيف
قرر زوجها الانتقال من مدينة لأخرى وكان مع هذا القرار الضيق والكدر: فكيف لها أن تغادر بيتها وترحل عنها عن حيها وتفارق أحبابها، سافرت مضطرة مع زوجها وما أن وصلوا لمكان إقامتهم الجديد حتى هجمت عليها جيوش الضيق وهطلت على قلبها سحائب الهم وأصبح الاكتئاب عنوانا بارزا لحياتها! فلا لجميل الطعام طعم ولا للذيذ النوم وجود! وبينما هي كذلك وفي أحد أيام أسبوعها الأول الكئيب كانت تتفقد دون وعي عشرات الصناديق التي حملتها معها وتركتها دون ترتيب إذا وقعت عينها على صندوق صغير قد علاه الغبار يعود لعمتها التي رحلت عن الدنيا بعد عمر طويل فتحت الصندوق وإذا بدفتر قد تقادم عهده كانت العمة قد دونت مذاكراتها فيه!
تصفحت أوراقه على عجل حتى توقفت اليد عن التصفح على صفحة كان عنوانها: هكذا انتصرت على الكآبة!
وفيه كتبت العمة قصتها مع أزمة مرت كانت بالغة الشدة وكيف أنهكتها حتى وصلت لمرحلة متأخرة من الاكتئاب وتقول العمة: إنها جلست مع نفسها وتحدثت إليها وخيرتها بين الاستسلام ورفع الراية البيضاء والموت البطيء وبين النهوض والتحرك ومقاومة الاكتئاب!
واختارت الخيار الثاني عبر ستة أنشطة تداوم عليها يوميا وبعدها عمت السكينة روحها وغدت تعيش حياة ملؤها بهجة وسرور فإليك النشاطات اليومية الستة والتي كان لها بعد الله الفضل في تغيير حياتها:
1. القيام بعمل خير لمن حولها (مساعدة مادية أو معنوية) أو حتى ابتسامة.
2. تأدية عمل ضروري القيام بها ولو كانت لا تحبه!
3. عمل نشاط بدني (مشي أو سباحة وغيره).
4. القيام بعمل تحبه (قراءة أو مشاهدة فيلم أو شرب عصير مفضل وغيره).
5. ممارسة نشاط ذهني عبر التخطيط للمستقبل أو إيجاد حلول لمشكلة قائمة أو حل لغز وغيرها.
6. وقت للصلاة والتواصل الروحي.
تقول بطلة القصة وبعد أن قرأت كلام العمة قررت أن أنهج نهجها وفكرت في النشاط الأول وهو عمل الخير وتذكرت أن عجوزا كبيرة تسكن بجاني وحيدة لا ولد ولا أهل فزرتها وأهديتها بعض الحلوى وتحدثت معها واستمتعت لبعض همومها وبعد هذا النشاط تغيرت نفسي وتبدلت حالي ثم سعيت للنشاط الثاني وهو تأدية عمل مهم لا أحبه وكان ترتيب غرفة الجلوس وتنظيفها هو العمل الذي كنت أهرب منها فشرعت فيها قسرا ولم أكمل دقائق إلا وقد أنهيت فغمرتني مشاعر الإنجاز واستمتعت بمكان نظيف مرتب ثم ذهبت لممارسة المشي حول البحيرة القريبة ثم جلست لوضع حلول لمشكلة مادية تعاني منها الأسرة ثم قضت وقتا لافي التأمل الروحي وبعدها لا تسل عن حجم الهدوء والسكينة والسلام الداخلي الذي نعمت بها في كل يوم تحرص على ممارسة تلك الأنشطة الستة في كل يوم حتى أصبح الأمر لها متعة وأعفت نفسها من التآكل الداخلي ومن الانتحار البطيء!
فإن كنت أيها القارئ تشعر بشيء الضيق والاكتئاب فجرب تلك النشاطات؛ فالكآبة كما يقال تتغذى من القعود والجمود وعدوها اللدود هو العمل ودوام عليها جزما ستتغير حياتك!
ومضة قلم
فرق كبير بين من يعاني من مشكلة كبيرة وبين من يجعل المشكلة كبيرة.