فيصل خالد الخديدي
تضم الجزيرة العربية الكثير من الرسوم الصخرية التي تعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد، وعادة ما تكون ظاهرة الرسوم الصخرية مصدرًا جيدًا لتتبع تطور أساليب الحياة واهتمامات السكان قديماً. وحصر وتحليل الرموز والمفردات في الرسوم الصخرية يعطي تصوراً ودلالة عن إنسان تلك الحقبة وطقوسه وحياته، وتحويل هذه الرموز وإخراجها من سياقها الدلالي والتاريخي إلى سياق جمالي وبناء إبداعي أمر ليس باليسير، فهو خاضع لعملية التحليل والتفكيك وإعادة التركيب لهذه المفردات وفق رؤى جديدة من صنع الفنان ذاته، وهو ميدان خاض غماره عدد من الفنانين على المستوى المحلي والعالمي ولكنه لا يزال يستحق الكثير من البحث والاستقصاء، ولعل الفنان السعودي إبراهيم الفصام من الفنانين القلائل الذين جعل مصدر استلهام أعمالهم آثار الجزيرة العربية، معتمداً على الرموز والمفردات التي وسمت على صفحات صخور الجزيرة العربية منذ آلاف السنين، فبعد مسيرة فنية للفنان الفصَّام امتدت منذ عام 1395 بعد تخرجه من معهد التربية الفنية، جرَّب فيها العديد من الأساليب الفنية بين واقعية وسريالية خلُصت به أعماله الأخيرة إلى استلهام الآثار واستخدام الكثير من الرموز التي تحاكي الرسوم الصخرية والقطع الأثرية والعملات المعدنية، وقبلها اهتم بالزخارف الشعبية.
اشتغالات الفنان إبراهيم الفصَّام على المفردات والعناصر التي تحاكي الرسم الصخرية أهتمت بالجوانب الجمالية وإعادة ترتيبها وفق رؤاه التشكيلية في معزل عن الدلالة والجانب الوجداني لهذه الرموز، فترتيبها شكلياً وجمالياً كان هاجس الفنان وعبر عنها بخامات متنوعة في محاولة لخلق أجواء مشابهة ومماثلة لما تختزله الذاكرة من الرسوم الصخرية بين مستويات بارزة وغائرة بخامات وعجائن أعطت هذه المستويات أو الإحساس بها لونياً. إن تكريس الفنان الفصَّام لهذه المفردات في أعماله أكسبه تلخيصاً لمفردات ورموز مختزلة وملخصة أصلاً، ولكنه باختزاله المختزل أعطى أعماله سمة تسعى لتفرده وصنع هوية شكلانية لما يحاول الوصول إليه في عمل مستمر وإنتاج كثيف يتأرجح بين الشكل ومحاكاته والرمز وتلخيصه، أما اللون فهو متوافق في علاقات عناصره غني في أعماله ومتوافق مع طرحه للرموز والرسوم الصخرية.