ياسر صالح البهيجان
يمثّل التراث الثقافي هويّة أي مجتمع بشري، ويربط حاضر الأمم ومستقبلها بماضيها كامتداد لمبدأ التراكم المعرفي الذي بدأ منذ زمن الأجداد الأوائل لبني البشر حسب الرقعة الجغرافيّة، وذلك التراث يتضمن ما هو ملموس كالمباني والآثار والكتب والأعمال الفنية، وما هو غير ملموس كاللغة والفولكلور والعادات والتقاليد، وما هو طبيعي وفطري كالتنوع البيولوجي والمناظر الطبيعية.
التراث يمنح المجتمعات أصالة تدفعها إلى الاستمرار في الإنتاج والعطاء، لمواصلة البناء والوفاء بما أنتجه الأجداد لتظل المنجزات قائمة ومتجددة، إلا إنْ جرى تعطيل الموروث وإهماله أو سوء تفسيره وتحويله إلى حجر عثرة يعرقل مساعي التطوير، كما فعلت بعض المجتمعات العربيّة في تعاملها مع إرثها الثقافي، واستعملت الأساليب الانتقائية في اختيار الموروثات حسب الاتجاهات والأهواء، دون أن تراعي مسألة أن التراث يأتي كلٌ متكاملٌ يصعب تجزئته أو حتى إخضاعه لعملية أدلجة غير أمينة من شأنها أن تسهم في جعل التراث عالة على المجتمع بدلاً من أن يمارس دوره الارتقائي في شتى الميادين.
ما قامت به الهيئة العامة للسياحة في ملتقى آثار المملكة العربية السعوديّة بالعاصمة الرياض كان مميزًا في مساعي الحفاظ على التراث الثقافي عبر الاحتفاء بتشكلاته كافّة، وتنظيم الندوات والمحاضرات لإبراز المواقع الأثرية الهامة التي يحتضنها وطننا، وأجزم بأن مثل تلك الملتقيات كفيلة بتعريف الداخل والخارج بما لدينا من كنوز حضاريّة جديرة بالاهتمام، وبإمكاننا أيضًا الاستفادة المثلى منها وجعلها مزارات سياحيّة يقصدها مئات الآلاف سنويًا أسوة بالدول المتطورة سياحيًا التي تجعل من تراثها الثقافي أيقونة تجذب السيّاح، ويتعرف من خلاله القاصي والداني على أن هذا المجتمع أو ذاك كان له إسهامه البارز في التراث الإنساني برمته، وأنه مجتمع منتج ومفكّر وفاعل.
والحق يُقال بأننا لم نولي تراثنا الثقافي خلال العقود السالفة العناية التي يستحقها، ولعل ملتقى هيئة السياحة يُلهم الجهات الأخرى المعنية بالتراث والثقافة لتنظيم فعاليّات تعيد الوهج لإرثنا، وتجعله حاضرًا في ذاكرة الأجيال الجديدة ليتمكنوا من نقله إلى الأجيال التي تليهم، فالإرث ليس حكرًا على جيل، بل قيمة وجودية تمنح الفرد اعتزازًا بهويته وبيئته وانتمائه الجغرافي، ويُدرك بأنه مسؤول عن المحافظة على أمجاد سالفة عبر الجد والاجتهاد في الإنتاج والتطوير لكيلا تذهب جهود من سبقوا سدى.